لما فرغ الْعَمَل فِيهِ ركب السُّلْطَان إِلَيْهِ فِي يَوْم السبت الْمَذْكُور وَكَانَ أول لعبه فِيهِ بالأكرة فَبَلغهُ الْخَبَر بعد عوده إِلَى القلعة بِأَن الْحَرِيق وَقع فِي ربع من أوقاف المارستان المنصوري بِخَط الشوايين من الْقَاهِرَة. وَاشْتَدَّ الْأَمر والأمراء تطفئه إِلَى عصر يَوْم الْأَحَد فَوَقع الصَّوْت قبل الْمغرب بالحريق فِي حارة الديلم بزقاق العريسة قريب من دَار كريم الدّين الْكَبِير. وَدخل اللَّيْل وَاشْتَدَّ هبوب الرِّيَاح فسرت النَّار فِي عدَّة أَمَاكِن. وَبعث كريم الدّين بولده علم الدّين عبد الله إِلَى السُّلْطَان يعرفهُ فَبعث عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك لإطفائه خوفًا على الحواصل السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تفاقم الْأَمر وَاحْتَاجَ أقسنقر شاد العمائر إِلَى جمع سَائِر السائقين والأمراء وَنزلت الْحجاب وَغَيرهم وَالنَّار تعظم طول نَهَار الْأَحَد وَخرجت النِّسَاء مسبيات من دورهن. وَبَاتُوا على ذَلِك وَأَصْبحُوا يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالنَّار تتْلف مَا تمر بِهِ والهد وَاقع فِي الدّور الَّتِي تجاور الْحَرِيق خشيَة من تعلق النَّار فِيهَا وسريانها فِي جَمِيع دور الْقَاهِرَة. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الثُّلَاثَاء خرج أَمر الْحَرِيق عَن الْقُدْرَة البشرية وَخرجت ريح عَاصِفَة أَلْقَت النخيل وغرقت المراكب ونشرت النَّار فَمَا شكّ النَّاس فِي أَن الْقِيَامَة قد قَامَت. وَعظم شرر النيرَان وَصَارَت تسْقط فِي عدَّة مَوَاضِع بعيدَة فَخرج النَّاس وتعلقوا بالمأذن واجتمعوا فِي الْجَوَامِع والزوايا وضجوا بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى وَصعد السُّلْطَان إِلَى أعلا الْقصر فهاله مَا شَاهد. وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي أَسْوَأ حَال فَنزل النَّائِب بِسَائِر الْأُمَرَاء وَجَمِيع من فِي القلعة وَجَمِيع أهل الْقَاهِرَة وَنقل المَاء على جمال الْأُمَرَاء ولحقه الْأَمِير بكتمر الساقي وأخرجت جمال الْقرى السُّلْطَانِيَّة ومنعت أَبْوَاب الْقَاهِرَة أَن يخرج مِنْهَا سقاء ونقلت الْمِيَاه من الْمدَارِس والحمامات والآبار. وجمعت سَائِر البنائين والنجارين فهدت الدّور من أَسْفَلهَا وَالنَّار تحرق فِي سقوفها. وَعمل الْأُمَرَاء الألوف وعدتهم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا بِأَنْفسِهِم فِي طفي الْحَرِيق وَمَعَهُمْ سَائِر أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات وتناولوا المَاء بِالْقربِ من السقائين بِحَيْثُ صَار من بَاب زويلة إِلَى حارة الرّوم بحراً وَحضر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير. بِمِائَتي رجل. فَكَانَ يَوْمًا لم ير أشنع مِنْهُ بِحَيْثُ لم يبْق أحد إِلَّا وَهُوَ فِي شغل. ورؤى سَائِر الْأُمَرَاء وَهِي تَأْخُذ الْقرب من مماليكها وتطفئ النَّار بأنفسها وتدوس الوحل بأخفافها. ووقف الْأَمِير بكتمر الساقي والأمير أرغون النَّائِب حَتَّى نقلت الحواصل السُّلْطَانِيَّة من بَيت كريم الدّين إِلَى بَيت وَلَده علم الدّين عبد الله بدرب الرصاصي وَهدم لأجل نقل الحواصل سِتَّة عشر دَارا. وخمدت النَّار وَعَاد الْأُمَرَاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute