للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَوَقع الصياح فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بِربع الْملك الظَّاهِر خَارج بَاب زويلة وبقيسارية الْفُقَرَاء وهبت الرِّيَاح مَعَ ذَلِك. فَركب الْحجاب والوالي وَعمِلُوا فِي طفيها إِلَى بعد الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء وهدموا دوراً كَثِيرَة مِمَّا حوله. فَمَا كَاد أَن يفرغ الْعَمَل من إطفاء النَّار حَتَّى وَقعت النَّار فِي بَيت الْأَمِير سلار بِخَط القصرين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَإِذا بالنَّار ابتدأت من أعلا البادهنج وَكَانَ ارتفاعه من الأَرْض زِيَادَة على مائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَرَأَوا فِيهِ نفطاً قد عمل فِيهِ فَتِيلَة كَبِيرَة فمازالوا بالنَّار حَتَّى أطفئت من غير أَن يكون لَهَا أثر كَبِير. وَنُودِيَ بِأَن يعْمل بِجَانِب كل حَانُوت بالقاهره ومصر زير وَدَن ملآن مَاء وَكَذَلِكَ بِسَائِر الحارات والأزقة فَبلغ ثمن كل دن من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة وكل زير إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم لِكَثْرَة طلبَهَا. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس: وَقع الْحَرِيق بحارة الرّوم وبخارج الْقَاهِرَة وَتَمَادَى الْحَال كَذَلِك وَلَا تَخْلُو سَاعَة من وُقُوع الْحَرِيق بِموضع من الْقَاهِرَة ومصر وَامْتنع وَالِي الْقَاهِرَة والأمير بيبرس الْحَاجِب من النّوم. فشاع بَين النَّاس أَن الْحَرِيق من جِهَة النَّصَارَى لما أنكاهم هدم الْكَنَائِس ونهبها وَصَارَت النيرَان تُوجد تَارَة فِي مَنَابِر الْجَوَامِع وَتارَة فِي حيطان الْمدَارِس والمساجد. وَوجدت النَّار بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية فَزَاد قلق النَّاس وَكثر خوفهم وَزَاد استعدادهم بادخار الْآلَات المملوءة مَاء فِي أسطحة الدّور وَغَيرهَا. وَأكْثر مَا كَانَت النَّار تُوجد فِي الْعُلُوّ فَتَقَع فِي زروب الأسطحة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشريه: قبض على راهبين خرجا من الْمدرسَة الكهارية بِالْقَاهِرَةِ وَقد أرميا النَّار وأحضرا إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن وَالِي الْقَاهِرَة فشم مِنْهُمَا رَائِحَة الكبريت وَالزَّيْت فأحضرهما من الْغَد إِلَى السُّلْطَان فَأمر بعقوبتهما حَتَّى يعترفا. فَلَمَّا نزل الْأَمِير علم الدّين بهما وجد الْعَامَّة قد قبضت على نَصْرَانِيّ من دَاخل بَاب جَامع الظَّاهِر بالحسينية وَمَعَهُ كعكة خرق بهَا نفط وقطران وَقد وَضعهَا بِجَانِب الْمِنْبَر فَلَمَّا فاح الدُّخان وأنكروه وجد النَّصْرَانِي وَهُوَ خَارج والأثر فِي يَدَيْهِ فَعُوقِبَ قبل صَاحِبيهِ. فاعترف النَّصْرَانِي أَن جمَاعَة من النَّصَارَى قد اجْتَمعُوا وَعمِلُوا النفط وفرقوه على جمَاعَة ليدوروا بِهِ على الْمَوَاضِع. ثمَّ عاقب الْأَمِير علم الدّين الراهبين فأقرا أَنَّهُمَا من دير الْبَغْل وأنهما هما اللَّذَان أحرقا سَائِر الْأَمَاكِن الَّتِي تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>