الدّين مَسْعُود الْحَاجِب وَاسْتقر حاجباً وَكَانَ قد قدم من دمشق فِي سَابِع عشرى ربيع الآخر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام إِلَى غَزَّة وَقدم مَمْلُوكه يسْتَأْذن فِي دُخُوله كَمَا هِيَ عَادَته فرسم لَهُ بِسُرْعَة الْحُضُور وَألا يتحدث فِي شَيْء من أَمر ابْن هِلَال الدولة فَإِن السُّلْطَان قد تغير عَلَيْهِ فَقدم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: شفع الْأَمِير قوصون فِي عود جمال الدّين عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين من دمشق بدخلة أَبِيه عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَأَجَابَهُ السُّلْطَان. وَقدم جمال الدّين إِلَى الْقَاهِرَة على الْبَرِيد فَأقبل على عَادَته من اللَّهْو وعثر دَارا على النّيل بجوار دَار أَبِيه وتجاهر بِمَا لَا يَلِيق. فَتقدم أَمر السُّلْطَان إِلَى ابْن المحسني وَالِي الْقَاهِرَة أَن يتحيل فِي كبسه وإشهاره وأحس عبد الله بذلك فَكف عَمَّا كَانَ يعانيه من اللّعب. وَفِي يَوْم السبت نصف رَجَب: قدم بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي مَمْلُوك فندش بفاء مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة ثمَّ دَال مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا شين مُعْجمَة وَسيف الدّين الأكز من الشَّام. فأحضرهما السُّلْطَان وَطلب مباشري حلب وهم النَّقِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن زهرَة الْحُسَيْن وَالْقَاضِي جمال الدّين بن رَيَّان نَاظر الْجَيْش وناصر الدّين مُحَمَّد بن قرناص عَامل الْجَيْش وَعَمه المحبي عبد الْقَادِر عَامل المحلولات والحاج إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن العزازي والحاج عَليّ بن السقا وَغَيرهم. فحاققهم لُؤْلُؤ وَالِي فِي رميهم بِأخذ الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة وجاهرهم بالسوء من القَوْل بَين يَدي السُّلْطَان وَالْتزم بِأَنَّهُ إِن مكن مِنْهُم استخلص مِنْهُم مائَة ألف دِينَار. فَطلب النشو بعد إِخْرَاجه وَوَقع الْكَلَام بَينه وَبَين السُّلْطَان فِي ذَلِك وَأَمْثَاله من تَحْصِيل الْأَمْوَال فَأخذ النشو يُقرر مَعَه أَن الْأُمَرَاء قد أخذُوا مساميح بمتاجرهم ويتحصل من هَذَا إِذا ضبطت عَلَيْهَا فِي كل سنة للديوان زِيَادَة على مِائَتي ألف دِينَار وَأَنه لَا يتَمَكَّن مَعَ قيام الْأَمِير قوصون والأمير بشتاك أَن يجمع للسُّلْطَان شَيْئا من ذَلِك المَال فَإِنَّهُمَا وأمثالهما قد اعتادوا من الْمُبَاشر للسُّلْطَان أَن ينْفق المباشرون عَلَيْهِم نصف متحصل الدِّيوَان برطيلاً وَأَنه فَقير لَيْسَ لَهُ مَال يبرطل بِهِ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّن يبرطل بِمَال السُّلْطَان وَأَنه لَو سلم مِنْهُم لملأ خزانَة السُّلْطَان وحواصله أَمْوَالًا لكنه يخشاهم أَن يُغيرُوا السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَرمى النشو المباشرين مَعَ ذَلِك بعظائم من كَثْرَة أَمْوَالهم ونعمهم مِمَّا أَخَذُوهُ فِي مباشراتهم من مَال السُّلْطَان. فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي عمل مَا يختاره وَأَن يتَصَرَّف فِي الدولة وَلَا يُبَالِي بِأحد ووعده بتقوية يَده وتمكينه وَمنع من يُعَارضهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute