الحجارون بأجعهم لقطع الْحِجَارَة من الْجَبَل - وَكَانَت تِلْكَ الْحِجَارَة تحمل إِلَى السَّاحِل وتملأ بهَا المراكب وتغرق المراكب وَهِي ملأنة بِالْحِجَارَةِ حَيْثُ يعْمل الجسر -. فَلم يمض عشرَة أَيَّام حَتَّى قدمت الرِّجَال من النواح فتسلمهم الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد والأمير برسبغا الْحَاجِب. ورسم لوالي الْقَاهِرَة ووالي مصر بتسخيرهم للْعَمَل فركبا وقبضا على عدَّة كَثِيرَة مِنْهُم وَزَادا فِي ذَلِك حَتَّى صَارَت النَّاس تُؤْخَذ من الْمَسَاجِد والجوامع فِي السحر وَمن الْأَسْوَاق فتستر النَّاس ببيوتهم خوفًا من السخرة. وَوَقع الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل وَاشْتَدَّ الاستحثاث فِيهِ حَتَّى إِن الرجل كَانَ يخر إِلَى الأَرْض وَهُوَ يعْمل لعَجزه عَن الْحَرَكَة فتردم عَلَيْهِ الرمال فَيَمُوت من سَاعَته. وَاتفقَ هَذَا لخلائق كَثِيرَة جدا وآقبغا رَاكب فِي الحراقة يستعجل المراكب المشحونة بِالْحِجَارَةِ وَالسُّلْطَان ينزل إِلَيْهِم ويباشرهم ويغلظ على آقبغا ويحمله على السرعة واستنهاض الْعَمَل حَتَّى أكمل فِي مُدَّة شَهْرَيْن. وغرق فِيهِ اثْنَا عشر مركبا وسق كل مركب ألف أردب. وَكَانَت عدَّة المراكب الَّتِي أشحنت بِالْحِجَارَةِ المقطوعة من الْجَبَل - ورميت فِي الْبَحْر حَتَّى صَار جِسْرًا يمشي عَلَيْهِ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف مركب حجر سوى مَا عمل فِيهِ من آلَات الْخشب والسرياقات والحلفاء وَنَحْو ذَلِك. وحفر الخليج بالجزيرة فَلَمَّا زَاد النّيل جرى فِي الخليج الَّذِي حفر وتراجع المَاء حَتَّى قوي على بر منبابة وبر بولاق التكرور فسر السُّلْطَان بذلك. وفيهَا اسْتَأْذن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي والأمير يلبغا اليحياوي السُّلْطَان فِي الْمسير إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بطيور السُّلْطَان الْجَوَارِح ليتصيدا فِي الْبَريَّة. فرسم للنشو بتجهيزهما فخاف من دخولهما إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة أَن يبلغهما عَنهُ من أعدائه مَا إِذا نَقَلَاه للسُّلْطَان تغير عَلَيْهِ. فَعرف النشو السُّلْطَان أَن مراكب التُّجَّار قد وصلت وَأَنه يحْتَاج إِلَى السّفر حَتَّى يَأْخُذ مَا عَلَيْهَا للديوان وَيقوم أَيْضا بِخِدْمَة الأميرين فَأذن لَهُ فِي السّفر فسافر من ليلته. وبدا للسُّلْطَان أَن يبْعَث الْأَمِير بشتاك بالطيور - وَمَعَهُ الْأَمِير قماري أَمِير شكار والأمير ألطبغا المارديني - ويعوض يلبغا والحجازي بركوب النّيل فِي عيد الشَّهِيد فسافر الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة. وَكَانَ عيد الشَّهِيد بعد يَوْمَيْنِ فَركب يلبغا والحجازي المراكب فِي النّيل للفرجة وَخرجت مغاني الْقَاهِرَة ومصر بأسرها وتهتكوا بِمَا كَانَ خافياً مَسْتُورا من أَنْوَاع اللَّهْو وَقد حشر النَّاس للفرجة من كل جِهَة. وَألقى الْأُمَرَاء للنَّاس فِي مراكبهم من أَنْوَاع الْأَشْرِبَة والحلاوات وَغَيرهَا مَا يتَجَاوَز الْوَصْف فمرت ثَلَاث لَيَال بأيامها كَانَ فِيهَا من اللَّذَّات وأنواع المسرات مَا لَا يُمكن شَرحه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute