هَذَا وَقد كَانَ الْأَمِير يلبغا اليحياوي قد وعك جِسْمه فقلق السُّلْطَان لمرضه وَأقَام عِنْده لِكَثْرَة شغفه بِهِ. فَقَالَ لَهُ يلبغا فِيمَا قَالَ: يَا خوند قد عظم إحسانك لي وَوَجَب نصحك عَليّ والمصلحة الْقَبْض على النشو وَإِلَّا دخل عَلَيْك الدخيل فَإِنَّهُ مَا عنْدك أحد من مماليكك إِلَّا وَهُوَ يترقب غَفلَة مِنْك وَقد عرفتك ونصحتك قبل أَن أَمُوت وَبكى. فَبكى السُّلْطَان لبكائه وَقَامَ وَهُوَ لَا يعقل لِكَثْرَة مَا دَاخله من الْوَهم لِثِقَتِهِ بيليغا وَطلب بشتاك وعرفه أَن النَّاس قد كَرهُوا النشو وَأَنه عزم على الْإِيقَاع بِهِ فخاف بشتاك أَن يكون ذَلِك امتحاناً من السُّلْطَان فَوجدَ عزمه قَوِيا فِي الْقَبْض. وَاقْتضى الْحَال إِحْضَار الْأَمِير قوصون أَيْضا فقوي عزم السُّلْطَان على ذَلِك ومازال بِهِ حَتَّى قرر مَعَهُمَا أَخذه. وَأصْبح النشو يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر وَفِي ذهنه أَن الْقطع الَّذِي خوف مِنْهُ قد زَالَ عَنهُ بِمَا دبره لَهُ ابْن الْأَكْفَانِيِّ من إسالة الدَّم فعلق عَلَيْهِ عدَّة من الْعُقُود والطلسمات والحروز وَركب إِلَى القلعة. وَجلسَ النشو بَين يَدي السُّلْطَان على عَادَته وَأخذ مَعَه فِي القبص على أقبغا عبد الْوَاحِد كَمَا قَرَّرَهُ فَأمره السُّلْطَان أَن يجلس على بَاب خزانَة الْقصر حَتَّى يخرج إِلَيْهِ الْأَمِير بشتاك ثمَّ يمضيا لإيقاع الحوطة على موجوده فَقَامَ. وَطلب السُّلْطَان الْمُقدم ابْن صابر وَأسر إِلَيْهِ أَن يقف بجماعته على بَاب القلعة وَبَاب القرافة وَلَا يدعوا أحدا من حَوَاشِي النشو وأقاربه وَإِخْوَته أَن ينزلُوا وَأَن يقبضوا عَلَيْهِم كلهم. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير بشتاك والأمير برسبغا الْحَاجِب أَن يمضيا إِلَى النشو ويقبضا عَلَيْهِ وعَلى أَقَاربه. فَخرج بشتاك وَجلسَ على بَاب الخزانة وَطلب النشو من داخلها فَظن النشو أَنه جَاءَ لميعاده مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يحتاطا على مَوْجُود أقبغا عبد الْوَاحِد فساعة مَا وَقع بَصَره عَلَيْهِ أَمر مماليكه بِأَخْذِهِ إِلَى بَيته من القلعة وَبعث إِلَى الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فَأخذ أَخَاهُ رزق الله وَأخذ أَخَاهُ المخلص وَسَائِر أَقَاربه. فطار الْخَبَر إِلَى الْقَاهِرَة ومصر فَخرج النَّاس كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر. وَركب الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد والأمير طيبغا المجدي والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيُوت النشو وأقاربه وحواشيه وَمَعَهُمْ جمال الكفاة كَاتب الْأَمِير بشتاك وشهود الخزانة. وَأخذ السُّلْطَان لِلْأُمَرَاءِ: وَكم تَقولُونَ النشو نهب أَمْوَال النَّاس السَّاعَة نَنْظُر المَال الَّذِي عِنْده وَكَانَ السُّلْطَان يظنّ أَنه يُؤَدِّيه الْأَمَانَة وَأَنه لَا مَال لَهُ. فندم الْأُمَرَاء على تحسينهم مسك النشو خوفًا من أَن لَا يظْهر لَهُ مَال سِيمَا قوصون وبشتاك من أجل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute