للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادس عشر الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة. وأقيم النَّاصِر فِي السلطنة بعد أَخِيه الْملك الْأَشْرَف خَلِيل سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وعمره تسع سِنِين ثمَّ خلع فِي سادس عشر الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وجري لَهُ مَا تقدم ذكره إِلَى أَن حضر من الكرك وأعيد إِلَى الْملك ثَانِيًا. فَأَقَامَ فِي الْملك إِلَى سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَخرج يُرِيد الْحَج فتوحه إِلَى الكرك غيظاً من حجر سلار وبيبرس عَلَيْهِ. فَقَامَ بيبرس فِي السلطة ثمَّ اضْطَرَبَتْ أُمُوره وَقدم النَّاصِر من الشَّام إِلَى مصر فَملك مرّة ثَالِثَة فِي شَوَّال سنة تسع وَسَبْعمائة واستبد النَّاصِر من حِينَئِذٍ بِالْأَمر من غير معَارض مُدَّة اثْنَتَيْنِ وثلانين سنة وشهرين وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا كَانَت لَهُ فِيهَا سير وأنباء كَمَا تقدم. وَكَانَ النَّاصِر أطول مُلُوك زَمَانه عمرا وأعظمهم مهابة: فَإِنَّهُ أول مَا بَدَأَ بِهِ بعد قدومه من الكرك الْقَبْض على الْأُمَرَاء البرجية وَغَيرهم فِي يَوْم وَاحِد وعدتهم زِيَادَة على ثَلَاثِينَ أَمِيرا. وأوقع مهابته فِي الْقُلُوب بِالْقَتْلِ وَأخذ الْأَمْوَال فَمنهمْ من قَتله جوعا وعطشاً وَمِنْهُم من أتْلفه بالخنق وَمِنْهُم من غرقه وَمِنْهُم من نَفَاهُ وَمِنْهُم من سجنه فَأَقَامَ مسجوناً الْعشْرين سنة فَمَا دونهَا. وَأكْثر النَّاصِر من جلب المماليك والجواري وَطلب التُّجَّار إِلَيْهِ وبذل لَهُم المَال وَوصف لَهُم حلي المماليك والجواري وسيرهم إِلَى بِلَاد أزبك وتوريز وَالروم وبغداد وَغير ذَلِك من الْبِلَاد. فَكَانَ التَّاجِر إِذا أَتَاهُ بالجلبة من المماليك بذل لَهُ فِيهَا أغْلى الْقيم وأنعم على تِلْكَ المماليك فِي يومهم بالملابس الفاخرة والحوائص الذَّهَب والخيول والعطايا حَتَّى يدهشهم. وَلم تكن هَذِه عَادَة من تقدمة من الْمُلُوك فَإِنَّهُم كَانُوا إِذا قدم لَهُم الْمَمْلُوك عرفُوا جنسه ثمَّ أسلموه إِلَى الطواشي الْمُقدم فيضيفه إِلَى جنسه من المماليك ويرتبه عِنْد الْفَقِيه فيربيه بالآداب والحشمة وَالْحُرْمَة ويمرنه فِي الرَّمْي بالنشاب واللعب بِالرُّمْحِ وركوب الْخَيل وأنواع الفروسية وَتَكون كسوته من الثِّيَاب الْقطن البعلبكي وَمن الثِّيَاب الْكَتَّان الخام الْمُتَوَسّط. ثمَّ يدرج الْمَمْلُوك فِي الجامكية من ثَلَاثَة دَنَانِير إِلَى خَمْسَة إِلَى سَبْعَة إِلَى عشرَة دَنَانِير فَإِذا الْتحق بالرحال أقيم ذَلِك الْوَقْت فِي وَظِيفَة من الوظالف اللائقة بِهِ فَيقوم بهَا على مَا يَنْبَغِي من الْأَدَب الَّذِي تأدب بِهِ فِي صغره ثمَّ يترقى الْمَمْلُوك فَإِذا وصل إِلَى منزلَة كَبِيرَة ورتبة عالية عرف مقدارها وَمَا كَانَ فِيهِ من الشَّقَاء وَمَا صَار إِلَيْهِ من النَّعيم فَأَعْرض الْملك النَّاصِر عَن هَذَا وَكَانَ يسفه

<<  <  ج: ص:  >  >>