احتشام. وَاتَّخذُوا عِنْدهم أَمَاكِن لِاجْتِمَاع النَّاس على الْمُحرمَات فيأتيهم الْفُسَّاق ويظلون عِنْدهم الْأَيَّام على شرب الْخُمُور ومعاشرة الفواجر والأحداث ففسدت حرم كَثِيرَة من النَّاس وَكثير من أَوْلَادهم وَجَمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء فَسَادًا شنيعاً حَتَّى إِن الْمَرْأَة إِذا تركت أَهلهَا أَو زَوجهَا أَو الْجَارِيَة إِذا تركت مواليها أَو الشَّاب إِذا ترك أَبَاهُ وَدخل عِنْد الأرمن بخزانه البنود لَا يقدر أَن يأخده مِنْهُم وَلَو كَانَ من كَانَ. فَقَامَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك فِي أَمرهم وفاوض السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي فسادهم غير مرّة فَلم يجبهُ إِلَى أَن أَكثر عَلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا حَاج! كم تَشْتَكِي من هَؤُلَاءِ إِن كَانَ مَا يُعْجِبك مجاورتهم انْتقل عَنْهُم فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب إِلَى ظَاهر الحسينية وَاخْتَارَ مَكَانا وعمره دَارا وَأَنْشَأَ بجانبها جَامعا وحماماً وربعاً وحوانيت. وَبقيت فِي نَفسه حزازات حَتَّى أمكنته الْقُدْرَة مِنْهُم وانبسطت يَده فيهم بِكَوْنِهِ نَائِب السُّلْطَان فَنزل وَالِي الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْحَاجِب وعدة من أَصْحَاب النَّائِب وهجموا خزانَة البنود وأخرجوا جَمِيع سكانها وكسروا أواني الْخمر فَكَانَت شَيْئا يجل وَصفه كَثْرَة وهدموها وَاشْترى أرْضهَا الْأَمِير قماري من بَيت المَال وَتقدم إِلَى الضياء الْمُحْتَسب أَن يُنَادي بتحكيرها فَرغب النَّاس فِي أرْضهَا واحتكروها وبنوها دوراً وطواحين وَغَيرهَا. وَقد ذكرنَا أَخْبَار خزانَة البنود فِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والْآثَار ذكرا شافياً فَكَانَ يَوْم هدم خزانَة البنود يَوْمًا مشهوداً من الْأَيَّام الْمَشْهُورَة الْمَذْكُورَة عدل هدمها فتح طرابلس وعكا لِكَثْرَة مَا كَانَ يعْمل فِيهِ بمعاصي الله. ثمَّ طلب النَّائِب وَالِي القلعة وألزمه أَن يفعل ذَلِك ببيوت الأسرى من القلعة فَمضى إِلَيْهَا وَكسر جرار الْخمر الَّتِي بهَا وأنزلهم من القلعة وجعلهم مَعَ نَصَارَى خزانَة البنود فِي مَوضِع بجوار وَكَانَت الأسرى الَّتِي بالقلعة من خَواص الأسرى وَعَلَيْهِم كَانَ يعْتَمد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي أَمر عمائره وَكَانُوا فِي فَسَاد كَبِير مَعَ المماليك وَحرم القلعة فأراح الله مِنْهُم. ثمَّ رسم الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب بتتبع أهل الْفساد فَمنع النَّاس من ضرب الخيم على شاطئ النّيل بالجزيرة وَغَيرهَا للنزهة وَكَانَت مَحل فَسَاد كَبِير لاختلاط الرِّجَال فِيهَا بِالنسَاء وتعاطيهم الْمُنْكَرَات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute