النَّاصِر أَحْمد قوي الرَّمْي شجاعاً إِلَى أَن جرح فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وتمكنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النَّار تَحْتَهُ حَتَّى وَقع. وَكَانَ الْأَمِير سنجر الجاولي قد بَالغ أَشد مُبَالغَة فِي الْحصار وبذل فِيهِ مَالا كثيرا فَلَمَّا هجم الْعَسْكَر على النَّاصِر أَحْمد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرى صفر وجدوه قد خرج من مَوضِع وَعَلِيهِ زردية وَقد تنكب قوسه وَشهر سَيْفه. فوقفوا وسلموا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ متجهم وَفِي وَجهه جرح وكتفه يسيل دَمًا. فَتقدم إِلَيْهِ الْأَمِير أرقطاي والأمير قماري فِي آخَرين فَأَخَذُوهُ ومضوا بِهِ إِلَى دهليز الْموضع الَّذِي كَانَ بِهِ وأجلسوه وطيبوا خاطره وَهُوَ سَاكِت لَا يُجِيبهُمْ فقيدوه ووكلوا بحفظه جمَاعَة ورتبوا لَهُ طَعَاما فَأَقَامَ يَوْمه وَلَيْلَته وَمن باكر الْغَد تقدم إِلَيْهِ الطَّعَام فَلَا يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا إِلَى أَن سَأَلُوهُ فِي أَن يَأْكُل فَأبى أَن يَأْكُل حَتَّى يأتوه بشاب كَانَ يهواه يُقَال لَهُ عُثْمَان فَأتوهُ بِهِ فَأكل عِنْد ذَلِك. وَخرج ابْن الْأَمِير بيبغا الشمسي حارس الطير بالبشارة وعَلى يَده كتب الْأُمَرَاء فَقدم قلعة الْجَبَل يَوْم السبت ثامن عشريه فدقت البشائر سَبْعَة أَيَّام. ثمَّ قدم أَيْضا ابْن الْأَمِير قماري ثمَّ بعده أرلان وَمَعَهُ النمجاه. ثمَّ أخرج الْأَمِير منجك السِّلَاح دَار لَيْلًا من الْقَاهِرَة على النجب لقتل النَّاصِر أَحْمد من غير مُشَاورَة الْأُمَرَاء فوصل إِلَى الكرك. وَأدْخل منجك إِلَيْهِ من أخرج الشَّاب من عِنْده وخنقه فِي لَيْلَة رَابِع ربيع الأول وَقطع رَأسه. وَسَار منجك من ليلته وَلم يعلم الْأُمَرَاء وَلَا الْعَسْكَر بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا وَقد قطع منجك مَسَافَة بعيدَة فَقدم منجك بعد ثَلَاث إِلَى القلعة لَيْلًا وَقدم الرَّأْس بَين يَدي السُّلْطَان وَكَانَ ضخماً مهولاً لَهُ شعر طَوِيل فاقشعر السُّلْطَان عِنْد رُؤْيَته وَبَات مرجوفاً. وَفِيه طلب الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب ورسم بتوجهه لحفظ الكرك إِلَى أَن ياتيه نَائِب لَهَا وَكتب بِعُود الْأُمَرَاء والعساكر وَكَانَت مُدَّة حِصَار النَّاصِر أَحْمد بالكرك سنتَيْن وشهراً وَثَمَانِية أَيَّام. وَكَانَ جمال الكفاة قد تقدم فِي الدولة تقدماً زَائِدا فَإِنَّهُ ولي الْخَاص ثمَّ نظر الْجَيْش فباشرهما جَمِيعًا. وَتمكن فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الصَّالح تمَكنا عَظِيما سَببه أَن السُّلْطَان اشْتَدَّ شغفه بِجَارِيَة مولدة يُقَال لَهَا اتِّفَاق كَانَت تجيد ضرب الْعود وأخذته عَن عبد عَليّ العواد العجمي فرتبه جمال الكفاة عِنْد السُّلْطَان حَتَّى صَار يجلس مَعهَا عِنْد السُّلْطَان. وَكَانَ السُّلْطَان يخْشَى من الْأَمِير أرغون العلائي وَلَا يتجاسر أَن يبسط يَده بالعطا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute