للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَشرع منحك فِي جَمِيع الْأَصْنَاف الْمُحْتَاج إِلَيْهَا وَضرب لَهُ خياماً على جَانب النّيل بالروضة. وَنُودِيَ فِي النَّاس من أَرَادَ الْعَمَل فَلهُ دِرْهَم وَنصف وَثَلَاثَة أرغفة خبز فَاجْتمع لَهُ خلائق وَعمل لَهُم موضعا يَسْتَظِلُّونَ فِيهِ حر الشَّمْس ورفق منجك بهم فِي الْعَمَل. وَأقَام منجك عدَّة من الحجارين لقطع الْحِجَارَة من الْجَبَل ونقلها إِلَى السَّاحِل وَحملهَا فِي المراكب لبر الجيزة لعمل جسر من الجيزة إِلَى المقياس. ورتب منجك عمل جسر آخر من الرَّوْضَة إِلَى الجزيرة الْوُسْطَى وَأقَام الأخشاب بجانبي كل جسر مِنْهُمَا وردم التُّرَاب وَالْحِجَارَة فِي وَسطه مَعَ الحلفاء ورتب جمال السُّلْطَان لقطع الطين من بر الرَّوْضَة ورميه بوسط الجسر وَأقَام على كل جِهَة شادين ومستحثين. وَأقَام منجك الصارم شاد العمائر على الْعَمَل ورسم أَلا يتاخر عَنهُ صانع والزم تجار مصر وَغَيرهم بِنَقْل التُّرَاب إِلَى الجسر فَكَانَ الرجل مِنْهُم يغرم فِي نقل التُّرَاب مَا بَين الْخَمْسمِائَةِ إِلَى آلَاف دِرْهَم ورميت عشر مراكب مَمْلُوءَة حِجَارَة فِي وسط جسر المقياس. وَلم يزل الْعَمَل مُدَّة أَرْبَعَة أشهر أَولهَا مستهل الْمحرم وَآخِرهَا سلخ ربيع الآخر. وَكَانَ منجك قد حفر أَيْضا خليجاً تَحت الدّور من موردة الحلفاء إِلَى بولاق فَلَمَّا زَاد النّيل جرى المَاء فِيهِ ودخلته المراكب الصغار. ففرح النَّاس بِهِ وسروا سُرُورًا زَائِدا ونسوا مَا نزل بهم من الغرامة وَالْمَشَقَّة. غير أَن الشناعة قَامَت على منجك لِكَثْرَة مَا جبى من الْأَمْوَال الْعَظِيمَة حَتَّى أَرَادَ بيبغا روس النَّائِب مَنعه من ذَلِك فَلم يقبل مِنْهُ وَلم يتم من الْعَمَل سوى ثُلثَيْهِ وقويت الزِّيَادَة فَبَطل الْعَمَل. وَكَانَ القاع فِي هَذِه السّنة أَرْبَعَة أَذْرع وَنُودِيَ فِي أول الزِّيَادَة بإصبعين ثمَّ بِعشر أَصَابِع ثمَّ بِخَمْسَة عشر إصبعا ثمَّ بثمان ثمَّ بِعشْرين. وَلم تزل الزِّيَادَة تقوى حَتَّى غرقت المقاتي والتقى الْبَحْر بِرَأْس الخليج الَّذِي استجد فِيهِ المَاء. ثمَّ علا المَاء على الجسر وَكَاد يقطعهُ. فَركب منجك وَمَعَهُ وَالِي الجيزة وخلائق من الْعَامَّة والأمراء وردمه بِالتُّرَابِ فَانْدفع المَاء إِلَى جِهَة الميدان وزربية قوصن. فَكَانَ قِيَاس جسر الجزيرة الْوُسْطَى مِائَتي قَصَبَة فِي عرض ثَمَانِي قصبات وارتفاع أَربع قصبات وَطول جسر المقياس مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ قَصَبَة وعدة مَا رمى فِيهِ من المراكب الْحجر اثْنَا عشر ألف مركب سوى التُّرَاب والطين وَغرم عَلَيْهِ مَا لَا يُمكن حصره. وَيُقَال إِنَّه جبى من النَّاس بِسَبَبِهِ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار فَإِن الرجل كَانَ يفْرض عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ فَيغرم فِيمَا تقدم ذكره عشرَة دَرَاهِم.

<<  <  ج: ص:  >  >>