وَفِيه وفرت جوامك جمَاعَة ورواتبهم. وَفِيه قصد عدَّة من أَطْرَاف النَّاس بَاب الْوَزير للسعي فِي الْوَظَائِف. بِمَال فَلم يرد أحدا وَكثر طعن الْأُمَرَاء فِيهِ بِسَبَب ذَلِك. وَفِيه توجه الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف عليقة. وَفِيه توجه ببيغا روس النَّائِب إِلَى العباسة ثمَّ توجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فأنعم عَلَيْهِ من مَالهَا بِسِتَّة آلَاف دِينَار وأتته تقادم جليلة. وَفِي هَذَا الْأَيَّام: كثر سُقُوط الدّور الَّتِي على النّيل وَذَلِكَ أَن مَاء النّيل كثرت زِيَادَته فِي ابْتِدَاء أوانها حَتَّى غرقت المقاتى كَمَا تقدم ذكره إِلَى أَن كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْجُمُعَة أول جُمَادَى الأولى وَهُوَ ثامن مسرى. ثمَّ ولت زِيَادَته وَتوقف أَيَّامًا ثمَّ نقص إِلَى يَوْم عيد الصَّلِيب حمس أَصَابِع فقلق النَّاس قلقا زَائِدا. فَمن الله بِزِيَادَتِهِ حَتَّى رد مَا نَقصه وَثَبت على سَبْعَة عشر ذِرَاعا وثمان عشرَة إصبعا. فَشَمَلَ الرّيّ الْبِلَاد وانحط سعر الغلال. فَلَمَّا أَخذ مَاء النّيل فِي الهبوط تساقطت الدّور الْمُجَاورَة للْمَاء شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ سقط أحد عشر بَيْتا بِنَاحِيَة بولاق دفْعَة وَاحِدَة من شدَّة القلقيلة فَإِن المَاء لما عمل الجسر الَّذِي تقدم ذكره انْدفع على نَاحيَة بولاق وقوى هُنَاكَ حَتَّى سَقَطت الدّور الْمَذْكُورَة وَسقط مَا خلفهَا وَذهب فِيهَا مَال كَبِير للنَّاس فِي الْغَرق وَنهب الأوباش. ثمَّ خرب ربع السنافي وَقطعَة من ربع الخطيرى وعدة دور. وَفِيه كثرت الْأَخْبَار بِوُقُوع الوباء فِي عَامَّة أَرض مصر وتحسين جَمِيع الأسعار وَكَثْرَة أمراض النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر فَخرج السُّلْطَان والأمراء إِلَى سرياقوس. فَكثر الوباء حَتَّى بلغ فِي شعْبَان عدد من يَمُوت فِي كل يَوْم مِائَتي إِنْسَان فَوَقع الِاتِّفَاق على صَوْم السُّلْطَان شهر رَمَضَان بسرياقوس. وَفِيه قدم محْضر ثَابت على قاضى حلب بِجَمَاعَة من القادمين إِلَيْهَا أَنهم شاهدوا بواد فِي نَاحيَة توريز أفاعي ذَات خلق عَظِيم من الطول والضخامة وَقد اجْتمع مِنْهَا عدد كثير جدا. وَصَارَت فرْقَتَيْن واقتتلت يَوْمًا كَامِلا حَتَّى دخل اللَّيْل فافترقوا ثمَّ عَادوا من الْغَد بكزة النَّهَار إِلَى الْقِتَال وَأَقَامُوا كَذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي الْيَوْم الرَّابِع قويت إِحْدَى الْفرْقَتَيْنِ على الْأُخْرَى وَقتلت مِنْهَا مقتلة عَظِيمَة وَانْهَزَمَ بَاقِيهَا فَلم تدع فِي هزيمتها حجرا إِلَّا قصمته وَلَا شَجرا إِلَّا قلعته من أَصله وَلَا حَيَوَانا إِلَّا أتلفته فَكَانَ منْظرًا مهولا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute