للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألف نفس فِي كل يَوْم. وعملت النَّاس التوابيت والدكك لتغسيل الْمَوْتَى للسبيل بِغَيْر أجره وَحمل أَكثر الْمَوْتَى على أَلْوَاح الْخشب وعَلى السلالم والأبواب وحفرت الحفائر وألقوا فِيهَا. وَكَانَت الحفرة يدْفن فِيهَا الثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَأكْثر. وَكَانَ الْمَوْت بالطاعون يبصق الْإِنْسَان دَمًا ثمَّ يَصِيح وَيَمُوت وَعم مَعَ ذَلِك الغلاء الدُّنْيَا جَمِيعهَا. وَلم يكن هَذَا الوباء كَمَا عهد فِي إقليم دون إقليم بل عَم أقاليم الأَرْض شرقا وغربا وَشمَالًا وجنوبا جَمِيع أَجنَاس بني أَدَم وَغَيرهم حَتَّى حيتان الْبَحْر وطير السَّمَاء ووحش الْبر. وَأول ابْتِدَائه من بِلَاد القان الْكَبِير حَيْثُ الإقليم الأول وَبعدهَا من توريز إِلَى أَخّرهَا سِتَّة أشهر وهى بِلَاد الخطا والمغل وَأَهْلهَا يعْبدُونَ النَّار وَالشَّمْس وَالْقَمَر وتزيد عدتهمْ على ثَلَاثمِائَة جنس. فهلكوا بأجمعهم من غير عِلّة فِي مشاتيهم ومصايفهم وَفِي مراعيهم وعَلى ظُهُور خيولهم وَمَاتَتْ خيولهم وصاروا كلهم جيفاً مرمية فَوق الأَرْض وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة على مَا وصلت بِهِ الْأَخْبَار من بِلَاد أزبك ثمَّ حملت الرّيح نتنتهم إِلَى الْبِلَاد فَمَا مرت على بلد وَلَا خركاه وَلَا أَرض إِلَّا وَسَاعَة يشمها إِنْسَان أَو حَيَوَان مَاتَ لوقته وساعته. فَهَلَك من زوق القان الْكَبِير خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله وَمَات القان وَأَوْلَاده السِّتَّة وَلم يبْق بِذَاكَ الإقليم من يحكمه. ثمَّ اتَّصل الوباء بِبِلَاد الشرق جَمِيعهَا وبلاد أزبك وبلاد اسطنبول وقيصرية الرّوم وَدخل إِلَى أنطاكية حَتَّى باد أَهلهَا. وَخرج جمَاعَة من جبال أنطاكية فارين من الْمَوْت فماتوا بأجمعهم فِي طريقهم وبدت فرس مِنْهُم بعد مَوْتهمْ عَائِدَة إِلَى جبالهم فَأخذ بَقِيَّة من تَأَخّر بهَا فِي تتبع آثَارهم حَتَّى تعرف خبرهم فَأخذُوا مَا تركُوا من المَال وعادوا فَأَخذهُم الْمَوْت أَيْضا فِي طريقهم وَلم يرجع إِلَى الْجَبَل إِلَّا الْقَلِيل فماتوا مَعَ أَهَالِيهمْ جَمِيعًا إِلَّا قَلِيلا نَجوا إِلَى بِلَاد الرّوم فَأَصَابَهُمْ الوباء. وَعم الوباء بِلَاد قرمان وقيصرية وَجَمِيع جبالها وأعمالها ففني أَهلهَا ودوابهم ومواشيهم. فرحلت الأكراد خوفًا من الْمَوْت فَلم يَجدوا أَرضًا إِلَّا وفيهَا الْمَوْتَى فعادوا إِلَى أَرضهم وماتوا جَمِيعًا. وَعظم الموتان بِبِلَاد سيس وَمَات من أهل تكفور فِي يَوْم وَاحِد. بِموضع وَاحِد مائَة وَثَمَانُونَ نفسا وخلت سيس وبلادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>