للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَوَقع فِي بِلَاد الخطا مطر لم يعْهَد مثله فِي غير أَوَانه فَمَاتَتْ دوابهم ومواشيهم عقيب ذَلِك الْمَطَر حَتَّى فنيت ثمَّ مَاتَ النَّاس والطيور والوحوش حَتَّى خلت بِلَاد الخطا وَهلك سِتَّة عشر ملكا فِي مُدَّة ثَلَاثَة أشهر. وباد أهل الصين وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَكَانَ الفناء بِبِلَاد الْهِنْد أقل مِنْهُ بِبِلَاد الصين. وَوَقع الوباء بِبَغْدَاد أَيْضا وَكَانَ الْإِنْسَان يصبح وَقد وجد بِوَجْهِهِ طلوعاً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن يمر بِيَدِهِ عَلَيْهِ مَاتَ فَجْأَة. وَكَانَ أَوْلَاد دمرداش قد حصروا الشَّيْخ حسن بهَا ففجأهم الْمَوْت فِي عَسْكَرهمْ من وَقت الْمغرب إِلَى باكر النَّهَار من الْغَد حَتَّى مَاتَ عدد كثير فرحلوا وَقد مَاتَ مِنْهُم سِتَّة أُمَرَاء وَنَحْو ألف وَمِائَتَا رجل. ودواب كَثِيرَة فَكتب الشَّيْخ حسن بذلك إِلَى سُلْطَان مصر. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: ابْتَدَأَ الوباء بِأَرْض حلب فَعم جَمِيع بِلَاد الشَّام وبلاد ماردين وجبالها وباد أهل الْغَوْر وسواحل عكا وصفد وبلاد الْقُدس ونابلس والكرك وعربان الْبَوَادِي وسكان الْجبَال والضياع. وَلم يبْق فِي بَلْدَة جينين سوى عَجُوز وَاحِدَة خرجت مِنْهَا فارة. وَلم يبْق. بِمَدِينَة لد أحد وَلَا بالرملة وَصَارَت الْخَانَات وَغَيرهَا ملآنة بجيف الْمَوْتَى. وَلم يدْخل الوباء معرة النُّعْمَان من بِلَاد الشَّام وَلَا بلد شيزر وَلَا حارم. وَأول مَا بَدَأَ الوباء بِدِمَشْق كَانَ يخرج خلف أذن الْإِنْسَان بثرة فيخر صَرِيعًا ثمَّ صَار يخرج بالإنسان كبة تَحت إبطه فَلَا يلبث وَيَمُوت سَرِيعا. ثمَّ خرجت بِالنَّاسِ خيارة فقتلت قتلا كثيرا. وَأَقَامُوا على ذَلِك مُدَّة ثمَّ بصقوا الدَّم فَاشْتَدَّ الهول من كَثْرَة الْمَوْت حَتَّى أَنه أَكثر من كَانَ يعِيش بعد نفث الدَّم نَحْو خمسين سَاعَة. وَبلغ عدد من يَمُوت بحلب فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة إِنْسَان وَمَات بغزة من ثَانِي الْمحرم إِلَى رَابِع صفر - على مَا ورد فِي كتاب نائبها - زِيَادَة على اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف إِنْسَان حَتَّى لقت أسواقها. وَشَمل الْمَوْت أهل الضّيَاع بِأَرْض غَزَّة وَكَانَ أَوَاخِر زمَان الْحَرْث. فَكَانَ الرجل يُوجد مَيتا والمحراث فِي يَده وَيُوجد أخر قد مَاتَ وَفِي يَده مَا يبذره وَمَاتَتْ أبقارهم. وَخرج رجل بِعشْرين نَفرا لإِصْلَاح أرضه فماتوا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَهُوَ يراهم يتساقطون قدامه. فَعَاد إِلَى غَزَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة. وَدخل سِتَّة نفر لسرقة دَار بغزة فَأخذُوا مَا فِي الدَّار لِيخْرجُوا بِهِ فماتوا كلهم. وفر نائبها إِلَى نَاحيَة بدعرش وَترك غَزَّة خَالِيَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>