وَعم الموتان إفريقية بأسرها جبالها وصحاريها ومدنها وجافت من الْمَوْتَى وَبقيت أَمْوَال العربان سائبة لَا تَجِد من يرعاها. ثمَّ أصَاب الْغنم دَاء فَكَانَت الشاه إِذا ذبحت وجد لَحمهَا منتنا قد اسود. وَتغَير أَيْضا ريح السّمن وَاللَّبن وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي بأسرها. وَشَمل الوباء أَيْضا أَرض برقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة. ثمَّ مَاتَ بالإسكندرية فِي الْيَوْم مِائَتَان وشنع ذَلِك حَتَّى أَنه صلى فِي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الإسكندري دفْعَة وَاحِدَة على سَبْعمِائة جَنَازَة. وَصَارَ يحملون الْمَوْتَى على الجنويات والألواح. وغلقت دَار الطّراز لعدم الصناع وغلقت دَار الْوكَالَة لعدم الْوَاصِل إِلَيْهَا وغلقت الْأَسْوَاق وديوان الْخمس وأريق من الْخمر مَا يبلغ ثمنه زِيَادَة على خَمْسمِائَة دِينَار. وقدمها مركب فِيهِ إفرنج فَأخْبرُوا أَنهم رَأَوْا بِجَزِيرَة طرابلس مركبا عَلَيْهِ طير يحوم فِي غَايَة الْكَثْرَة فقصدوه فَإِذا جَمِيع من فِيهِ من النَّاس موتى وَالطير تأكلهم وَقد مَاتَ من الطير أَيْضا شَيْء كثير فتركوهم ومروا فَمَا وصلوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى مَاتَ زِيَادَة على ثلثيهم. وفشى الْمَوْت. بِمَدِينَة دمنهور وتروجه والبحيرة كلهَا حَتَّى عَم أَهلهَا وَمَاتَتْ دوابهم فَبَطل من الْوَجْه البحري سَائِر الضمانات وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة. وكل الْمَوْت أهل البرلس ونستراوه وتعطل الصَّيْد من البحرة لمَوْت الصيادين. وَكَانَ يخرج بهَا فِي المراكب عدَّة من الصيادين لصيد الْحُوت فَيَمُوت أَكْثَرهم فِي المراكب وَيعود من بَقِي مِنْهُم فَيَمُوت بعد عوده من يَوْمه هُوَ وَأَوْلَاده وَأَهله. وَوجد فِي حيتان البطارخ شَيْء منتن وَفِيه على رَأس البطرخة كَبه قدر البندقة قد اسودت. وَوجد فِي جَمِيع زراعات البرلس وبلحها وقثائها دود وَتلف أَكثر ثَمَر النّخل عِنْدهم. وَصَارَت الْأَمْوَات على الأَرْض فِي جَمِيع الْوَجْه البحري وَلَا يُوجد من يدفنها وَعظم الوباء بالمحلة حَتَّى أَن الْوَالِي كَانَ لَا يجد من يشكو إِلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي إِذا أَتَاهُ من يُرِيد الْإِشْهَاد على وَصيته لَا يجد من الْعُدُول أحدا إِلَّا بعد عناء لقلتهم وَصَارَت الفنادق تَجِد من يحفظها. وَعم الوباء جَمِيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَمَات الفلاحون بأسرهم فَلم يُوجد من يضم الزَّرْع وزهد أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهم وبذلوها للْفُقَرَاء. فَبعث الْوَزير منجك إِلَى الغربية كريم الدّين مُسْتَوْفِي الدولة وَمُحَمّد بن يُوسُف مقدم الدولة فِي جمَاعَة فَدَخَلُوا سنباط وسمنود وبوصير وسنهور وأبشيه وَنَحْوهَا من الْبِلَاد وَأخذُوا مَالا كثير لم يحضروا مِنْهُ سوى سِتِّينَ ألف دِرْهَم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute