الصَّالح الْملك الْعَظِيم قدره يطوى لَهُ الأَرْض الْبعيد النازح لاتعجبوا من طيها لمسيره فالأرض تطوى دَائِما للصالح وَعم الْمَوْت أهل جَزِيرَة الأندلس إِلَّا مَدِينَة غرناطة فَإِنَّهُ لم يصب أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وباد من عداهم حَتَّى لم يبْق للفرنج من يمْنَع أَمْوَالهم. فأتتهم الْعَرَب من إفريقية تُرِيدُ أَخذ الْأَمْوَال إِلَى أَن صَارُوا على نصف يَوْم مِنْهَا مرت بهم ريح فَمَاتَ مِنْهُم على ظُهُور الْخَيل جمَاعَة كَثِيرَة. ودخلها باقيهم فَرَأَوْا من الْأَمْوَات مَا هالهم وَأَمْوَالهمْ لَيْسَ لَهَا من يحفظها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وهم يتساقطون موتى فنجا من بقى مِنْهُم بِنَفسِهِ وعادوا إِلَى بِلَادهمْ وَقد هلك أَكْثَرهم وَالْمَوْت قد فَشَا بأرضهم بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي لَيْلَة وَاحِدَة عدد عَظِيم وَمَاتَتْ مَوَاشِيهمْ وَعم الموتان أَرض إفريقية بأسرها جبالها وصحاريها ومدنها وجافت من الْمَوْتَى وَبقيت أَمْوَال العربان سائبة لَا تَجِد من يرعاها. ثمَّ أصَاب الْغنم دَاء فَكَانَت الشَّاة إِذا ذبحت وجد لَحمهَا منتناً قد اسود. وَتغَير أَيْضا ريح السّمن وَاللَّبن وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي بأسرها. وَشَمل الوباء أَيْضا أَرض برقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة. ثمَّ مَاتَ بالإسكندرية فِي الْيَوْم مِائَتَان وشنع ذَلِك حَتَّى أَنه صلى فِي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الاسكندري دفْعَة وَاحِدَة على سَبْعمِائة جَنَازَة. وصاروا يحملون الْمَوْتَى على الجنويات والألواح وغلفت دَار الطّراز لعدم الصناع وغلقت دَار الْوكَالَة لعدم الْوَاصِل إِلَيْهَا وغلقت الْأَسْوَاق وديوان الْخمس وأريق من الْخمر مَا يبلغ ثمنه زِيَادَة على خَمْسمِائَة دِينَار. وقدمها مركب فِيهِ إفرنج فَأخْبرُوا أَنهم رَأَوْا بِجَزِيرَة طرابلس مركبا عَلَيْهِ طير يحوم فِي غَايَة الْكَثْرَة فقصدوه فَإِذا جَمِيع من فِيهِ من النَّاس موتى وَالطير تأكلهم وَقد مَاتَ من الطير أَيْضا شَيْء كثير فتركوهم ومروا فَمَا وصلوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى مَاتَ زِيَادَة على ثلثيهم. وفشى الْمَوْت. بِمَدِينَة دمنهور وتروجة والبحيرة كلهَا حَتَّى عَم أَهلهَا وَمَاتَتْ دوابهم فَبَطل من الْوَجْه البحري سَائِر الضمانات وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة. وَشَمل الْمَوْت أهل البرلس نستراوه وتعطل الصَّيْد من الْبحيرَة لمَوْت الصيادين. وَكَانَ يخرج بهَا فِي الْمركب عدَّة من الصيادين لصيد الْحُوت فَيَمُوت أَكْثَرهم فِي الْمركب وَيعود من بَقِي مِنْهُم فَيَمُوت بعد عوده من يَوْمه هُوَ وَأَوْلَاده وَأَهله. وَوجد فِي حيتان البطارخ شَيْء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute