وَكَثُرت الْأَخْبَار من الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بِدُخُول النَّصَارَى فِي الْإِسْلَام ومواظبتهم الْمَسَاجِد وحفظهم لِلْقُرْآنِ حَتَّى أَن مِنْهُم من ثبتَتْ عَدَالَته وَجلسَ مَعَ الشُّهُود. فَإِنَّهُ لم يبْق فِي جَمِيع أَعمال مصر كلهَا قبليها وبحريها كَنِيسَة حَتَّى هدمت وَبنى مَوَاضِع كثير مِنْهَا مَسَاجِد. فَلَمَّا عظم الْبلَاء على النَّصَارَى وَقلت أَرْزَاقهم رَأَوْا أَن يدخلُوا فِي الْإِسْلَام. فَفَشَا الْإِسْلَام فِي عَامَّة نَصَارَى أَرض مصر حَتَّى أَنه أسلم من مَدِينَة قليوب خَاصَّة فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ نَفرا وَمِمَّنْ أسلم فِي هَذِه الْحَادِثَة الشَّمْس القسى والخيصم. وَحمل كثير من النَّاس فعلهم هَذَا على أَنه من جملَة مَكْرهمْ لِكَثْرَة مَا شنع الْعَامَّة فِي أَمرهم فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة أَيْضا من حوادث مصر الْعَظِيمَة. وَمن حِينَئِذٍ اخْتلطت الْأَنْسَاب بِأَرْض مصر فنكح هَؤُلَاءِ الَّذين أظهرُوا الْإِسْلَام بالأرياف المسلمات واستولدوهن ثمَّ قدم أَوْلَادهم إِلَى الْقَاهِرَة وَصَارَ مِنْهُم قُضَاة وشهود وعلماء وَمن عرف سيرتهم فِي أنفسهم وَفِيمَا ولوه من أُمُور الْمُسلمين تفطن لما لَا يُمكن التَّصْرِيح بِهِ. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري رَجَب: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان الْكَبِير المطل على النّيل بعد كسر الخليج من الْعَادة وَعَاد من أَخّرهُ إِلَى القلعة. ثمَّ ركب السُّلْطَان السبت الثَّانِي إِلَى الميدان. وأقامبه وَمَعَهُ الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير صرغتمش وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء الخاصكية. وَعمل السُّلْطَان بِهِ الْخدمَة فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس كَمَا تعْمل بالإيوان فِي القلعة وَلم يتقدمه أحد إِلَى مثل هَذَا. مِنْهُم عَالم عَظِيم ونصبت هُنَاكَ أسواق كَثِيرَة فصاروا يَخُوضُونَ فِيمَا لَا يعنيهم ويتكلمون فِي اللَّيْل بِكُل فَاحِشَة فِي حق كبراء الدولة وَيَقُولُونَ ليسمع السُّلْطَان: قُم اطلع قلعتك مَا جرت بذا عَادَة واحترس على نَفسك وَإِيَّاك تأمن لأحد. فَلَمَّا كثر هَذَا وَشبهه من كَلَامهم وسَمعه مِنْهُم الْأُمَرَاء اشْتَدَّ حنقهم وَأمرُوا مماليكهم فَرَكبُوا وأوقعوا بهم ضربا بالدبابيس والعصى فَفرُّوا هاربين والقوا أنفسهم فِي الْبَحْر وَتَفَرَّقُوا فِي كل جِهَة. فَقبض مِنْهُم جمَاعَة وَأَسْلمُوا لوالى الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِأَن يتتبع غوغاء الْعَامَّة حَيْثُ كَانُوا فهجم أماكنهم وَقبض على جمَاعَة كَثِيرَة وسجنهم. فاظهر النَّصَارَى الشماتة بهم وتجاهروا بِأَن هَذَا عُقُوبَة من الله لَهُم بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهم. فشق هَذَا على الْأُمَرَاء وَأمرُوا بِأَن يفرج عَنْهُم حَتَّى لَا يشمت بهم أهل الْكفْر فأطلقوا وَخرج عدَّة مِنْهُم إِلَى الأرياف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute