وَمن الشَّوْكَة غَيْرِي فَلم يجد الْخَلِيفَة بدا من سلطة آنوك فأقاموه سُلْطَانا ولقبوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وأركبوه بالشعار السلطاني. واشتدت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة. وَجلسَ الْمَنْصُور آنوك بكرَة يَوْم الْخَمِيس وَبَين يَدَيْهِ أَرْبَاب الدولة من الْأُمَرَاء وأرباب الأقلام على الْعَادة. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة ركب بالعساكر مَعَ الْأَمِير يلبغا للحرب. وَاسْتمرّ الرَّمْي من الشواني طول النَّهَار إِلَى نصف نَهَار يَوْم السبت. ثمَّ نزل عدَّة من الأشرفية فِي أَرْبَعَة شواني يُرِيدُونَ جِهَة الرَّوْضَة فندب يلبغا جمَاعَة من أَصْحَابه إِلَى جهتهم حَتَّى يمنعوهم الصعُود إِلَى الْبر. ثمَّ خرجت ثَلَاث طرايد أَيْضا وَمَضَت من بولاق التكروري تُرِيدُ جِهَة جَزِيرَة الْفِيل وشبرا فسير إِلَيْهِم يلبغا طَائِفَة أُخْرَى تمنعهم النُّزُول إِلَى الْبر وَمِنْهُم الْأَمِير طغاي تمر النظامي والأمير قرابغا البدري والأمير طيبغا المجدي فَالْتَقوا قَرِيبا من الْوراق. وَصَارَ البدري والنظامي فِي جلة الأشرفية فبعثوا بهما إِلَى بولاق التكروري. وَنزل الأشرفية إِلَى نَاحيَة شبْرًا فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فملكوا الْبر الشَّرْقِي. هَذَا وأسواق الْقَاهِرَة طول هَذِه الْأَيَّام مغلقة والأسباب متعطلة وَلَيْسَ للنَّاس شغل سوى التفرج فِي شاطىء النّيل على المقاتلين من السُّلْطَانِيَّة واليلبغاوية وصاروا يلهجون كثير بقَوْلهمْ. السُّلْطَان الجزيرة مَا يُسَاوِي شعيرَة. يُرِيدُونَ أَن أَمر آنوك لَا يتم ويهزأون بِهِ وَصَارَ الْأَمِير قجماس الطازي يمر فِي قَارب لطيف وَمَعَهُ طَائِفَة حَتَّى يقرب من الْبر ويرمى بالنشاب فيرموه أَيْضا ويتسابقوا وتعصبت الْعَامَّة للسُّلْطَان وَعمِلُوا لَهُم رايات وسبحوا النّيل إِلَيْهِ وصاحوا عِنْده السُّلْطَان مَنْصُور فَأخذ أَمر يلبغا ينْحل. فَلَمَّا قدم البدري والنظامي على السُّلْطَان. وأعلماه بِأخذ السُّلْطَانِيَّة الْبر الشَّرْقِي. وتفرق اليلبغاوية فِي طلب الشواني وأشارا عَلَيْهِ بتعدية النّيل. ركب فِي بَقِيَّة الأغربة بِمن مَعَه وَمضى إِلَى جِهَة شبْرًا والعامة تحاذيه من البرين وتستغيث بِالدُّعَاءِ لَهُ. حَتَّى نزل شبْرًا والتفت عَلَيْهِ جموعه فَسَار يُرِيد القلعة فتسلل أَصْحَاب يلبغا عَنهُ طَائِفَة بعد طَائِفَة. فَلم يجد يلبغا بدا من الْفِرَار وَتوجه يُرِيد القلعة. وَقد فر عَنهُ من كَانَ قد بَقِي مَعَه من الْأُمَرَاء وهم يَعْقُوب شاه وأرغون ططر وبيبغا العلاي الدوادار وخليل بن قوصون وأقبغا الْجَوْهَرِي وكمشبغا وبيبغا شقير وأينبك. وَلَحِقُوا جَمِيعهم بالسلطان وَلم يتَأَخَّر مَعَ يلبغا سوى علاي الدّين طيبغا حَاجِب الْحجاب. وَكَانَ الْعَامَّة قد لقبوه قنصا ونسن. وفر مماليكه شَيْئا بعد شَيْء. فأيقن بالزوال. وَبعث بسُلْطَان الجزيرة آنوك إِلَى القلعة وأصعد بكوساته إِلَى الطبلخاناه وَنزل عَن فرسه تَحت الميدان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute