وَأما يلبغا فَإِنَّهُ سَار لَيْلَة من جَزِيرَة القط إِلَى بولاق التكروري فَلم يأتها إِلَّا عِنْد نصف النَّهَار من يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلم يجد مركبا يعدى بِهِ النّيل إِلَّا الحراقة الذهبية فَعدى فِيهَا وَقد عرفه الرايس صَدَقَة حَتَّى وافى حَاجِب بالجزيرة وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء والأجناد فأكد فِي الْمَنْع بالتعدية بِأحد من بر الجزيرة. وَسَار فِي جحفل كَبِير إِلَى القلعة فَمَنعهُمْ نايب الْغَيْبَة من دُخُولهَا وَرَأَوا منعتها عَلَيْهِم بِمن فَوْقهَا من الْمُقَاتلَة فَعَاد عَنْهَا يجمعه من منزله بالكبش وظل فِيهِ بَقِيَّة نَهَاره وَبَات لَيْلَة الْخَمِيس وَقد رَجَعَ الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب إِلَى الجزيرة لحراسة المعادي. وَأما المماليك لما بَلغهُمْ فرار يلبغا نادوا من أَرَادَ مخدومه يلبغا فليتبعه وَمن أَرَادَ السُّلْطَان فَليقمْ مَعنا. فتبع يلبغا طايفة وَتَأَخر أَكْثَرهم فأسرع الْقَوْم إِلَى من فارقهم وأخذوهم وقيدوهم واقتسموا جَمِيع مَا مَعَهم. وتجمعوا بأسرهم عِنْد وطاق السُّلْطَان ونزلوا عَن خيولهم ومثلوا بَين يَدَيْهِ وقبلوا الأَرْض وأعلموه بِمَا كَانَ من يلبغا فِي حَقهم وَمَا رده من الْكَلَام الجافي عَلَيْهِم وسألوه نصرتهم عَلَيْهِ فَوَعَدَهُمْ بِخَير وقوى عزايمهم فَحَلَفُوا لَهُ. ثمَّ سَارُوا بِهِ إِلَى بولاق التكرووي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حَتَّى وافى شط النّيل فَلم يجد مراكب يعدى بهَا النّيل فخيم هُنَاكَ بِمن مَعَه وَنُودِيَ بِالْإِقَامَةِ ثَلَاثَة أَيَّام. وكتبت البطايق إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد والبرلسي على أَجْنِحَة الْحمام بقدوم من بهَا من الْأُمَرَاء والأجناد المركزين فِي اليزك على الْعَادة لحفظ الثغور من الفرنج. وَكتب بِحُضُور من بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري أَيْضا فقدموا شَيْئا بعد شَيْء. وَأخذ وُلَاة الجيزة فِي جمع المراكب من شاطىء النّيل فَجمعُوا مِنْهَا عدَّة ركب بهَا طَائِفَة فِي اللَّيْل. وَأخذُوا كثيرا من الشواني الحربية الَّتِي فِي وسط النّيل وضموا بهَا مَا بقى مِنْهَا وصاروا بهَا جَمِيعًا إِلَى بولاق التكروري وفيهَا آلَات الْحَرْب فَمَا طلع النَّهَار حَتَّى زينت ونصبت عَددهَا وعمرت بِالرِّجَالِ البحرية والمماليك السُّلْطَانِيَّة فَكَأَن الْأَمِير يلبغا إِنَّمَا تَعب فِيهَا لتَكون مقاتلة لَهُ ومزيلة نعْمَته وسالبة لملكه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس: ركب الْأَمِير يلبغا فِي عَسْكَر موفور إِلَى الجزيرة فبرزت إِلَيْهِ الشواني من بر الجيزة حَتَّى صَارَت فِي وسط النّيل ورمته المماليك السُّلْطَانِيَّة مِنْهَا بِالسِّهَامِ والنفط فمازال الْقَوْم يترامون نهارهم ثمَّ أَمر يلبغا فجيء إِلَيْهِ بالخليفة وآنوك ابْن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَطلب يلبغا من الْخَلِيفَة أَن يُفَوض إِلَيْهِ السلطة عوضا عَن أَخِيه شعْبَان بن حُسَيْن فَامْتنعَ الْخَلِيفَة من ذَلِك. وَاحْتج بِأَن الشَّوْكَة للأشرف شعْبَان فَأمر يلبغا بالكوسات فدقت وَأقَام شعار السلطنة كُله وَقَالَ: أَنا أعينه وأؤيده.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute