عمر بن أرغون النايب بقلعة الْجَبَل نايب الْغَيْبَة وَأقَام الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب بِجَزِيرَة وَكَانَ الْأَمِير يلبغا - لأمر يُريدهُ الله تَعَالَى - قد شحت نَفسه وَسَاءَتْ أخلاقه فَاجْتمع مماليكه الأجلاب إِلَى رُؤُوس النوب وَشَكوا مَا يلقوه من الْأَمِير يلبغا وَأَنه يجفوهم ويهينهم ويبالغ فِي معاقبة أحدهم على الذَّنب الْيَسِير حَتَّى أَنه ضرب عدَّة مِنْهُم بالمقارع وَقطع أَلْسِنَة جمَاعَة وَأَنَّهُمْ قد صَارُوا يدا وَاحِدَة يُرِيدُونَ قَتله وَقتل من لم يوافقهم على ذَلِك فَأَشَارَ الأكابر مِنْهُم عَلَيْهِم بالتمهل قَلِيلا حَتَّى يَأْخُذُوا مَا عِنْد الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي شَأْنهمْ وانتدب مِنْهُم الْأَمِير أسندمر الناصري والأمير أقبغا جلب الأحمدي والأمير قجماس الطازي والأمير تغرى برمش العلاي والأمير أقبغا جركس أَمِير سلَاح والأمير قرابغا الصرغتمشي ومضوا إِلَى الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي أَمر المماليك وسألوه الرِّفْق بهم فجبههم ورد عَلَيْهِم ردا جَافيا وتهددهم وَحلف بالأيمان الحرجة أَنه لابد من ضرب جمَاعَة من مماليكه بالمقارع وإشهارهم فِي الوطاق. فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَخَرجُوا من بَين يَدَيْهِ وَقد توغرت صُدُورهمْ. وَحَدثُوا إخْوَانهمْ من المماليك بِمَا كَانَ من الْأَمِير يلبغا واتففو جَمِيعًا على الفتك بِهِ وتحالفوا على ذَلِك ولبسوا سِلَاحهمْ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ربيع الآخر وكبسوا مخيم يلبغا وَأَحَاطُوا بِهِ ليأخذوه. فَمضى إِلَيْهِ بعض خواصه مِنْهُم وأعلمه الْخَبَر. فبادر إِلَى الْفِرَار على فرس وَقصد بولاق التكروري فِي نفر من خاصته وَبعث إِلَى الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب يُعلمهُ بِمَا هُوَ فِيهِ فَلم يشْعر الْحَاجِب وَقد جلس بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لعرض الأجناد على عَادَته وهم مِنْهُ على تخوف أَن يقطعهم كَمَا فعل بغيرهم إِذْ جَاءَهُ أحد مماليك يَلبغا وَأسر إِلَيْهِ طَويلا. ثمَّ قَامَ عَنهُ. وَقد تغير حَاله فَأمر الأجناد بالإنصراف وأبطل عرضهمْ. وَركب إِلَى دَاره فَلبس آلَة الْحَرْب هُوَ ومماليكه. وَعَاد إِلَى الجزيرة وَتقدم بِطَلَب أجناد الْحلقَة وَمن تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ من الْأُمَرَاء فَأتوهُ فِي السِّلَاح وَقد ارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَخرجت الْعَامَّة من كل مَوضِع إِلَى الجزيرة وَمَا حولهَا وَمنع أَرْبَاب المراكب النيلية أَن يعدوا بِأحد النّيل من البرين. وجمعت المراكب كلهَا إِلَى بر مصر وضموا الشواني الحربية وألقوا مراسيها فِي وسط النّيل وأخرجوا مِنْهَا رجالها. وَتقدم حَاجِب الْحجاب إِلَى فتح الدّين صَدَقَة وَلَيْسَ الحراقة السُّلْطَانِيَّة أَن يخرج الحراقة الذهبية من بر الجيزة وَلَا يعدى إِلَّا بالسلطان والأمير يلبغا فَقَط وَمن يصحبهما. وَكَانَ الْأَمِير عمر ابْن النَّائِب - نَائِب الْغَيْبَة - قد أغلق أَبْوَاب القلعة وألبس من بهَا من مماليك السُّلْطَان السِّلَاح وأقامهم على الأسوار واستعد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute