وَأَقَامُوا بالإسكندرية العرابد فَقتلُوا النَّاس فِي الدّور والحمامات والشوارع والخانات وَكَانَت الفرنج تخرج بالنهب من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى مراكبهم على الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير فَمَا فرغوا من النهب. وقضوا إربهم من الْبَلَد طعنوها بِالرِّمَاحِ وعرقبوها بالصفاح فَصَارَت مطروحة بالجزيرة والبلد لم يعلم لَهَا عدد فَهَلَكت وجافت فأحرقها الْمُسلمُونَ بالنَّار لتزول رَائِحَة جيفها. ثمَّ إِن الفرنج تحَصَّنُوا. بمراكبهم بعد وقرها وإشحانها. بِمَا نهبوه وَكَانَت تزيد على سبعين مركبا وَتركُوا بالسَّاحل فضلات البهار الَّتِي لم يَجدوا لَهَا محملًا فَرجع إِلَى أربابه من وجد عَلامَة عَلَيْهِ أَخذه ثمَّ إِن مراكب الفرنج ثقلت. بِمَا فِيهَا فصاروا يلقون مَا فِيهَا فِي الْبَحْر - على مَا قيل - لتخف من كَثْرَة الوسق وَكَانَ الغواصون يرفعون النّحاس وَغَيره بِنَاحِيَة أَبُو قير وَلَوْلَا لطف الله تَعَالَى بعباده بحرقهم بَاب رشيد وَبَاب الزيَادي كَانَت الفرنج ملكت الْبَلَد وَحصل التَّعَب فِي خلاصه كَمَا حصل فِي طرابلس الغرب ومدينة أنطاكية ببر التركية وَسَيَأْتِي فِيمَا يرد من هَذَا الْكتاب ذكر ظفر الفرنج بهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ولطف الله تَعَالَى بعباده الْمُسلمين فِي عدم معرفَة الفرنج لقصر السِّلَاح الَّذِي بالموضع الْمَعْرُوف بالإسكندرية بالزريبة لَو فهموه أحرقوا جَمِيع مَا فِيهِ من السِّلَاح المدخر من عهد الْمُلُوك السالفة. رَحْمَة الله عَلَيْهِم فَلَقَد وضعُوا فِيهِ من الأسلحة الْكَثِيرَة مَا لَيْسَ لعددها حصر ذكر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد شيخ رُمَاة قاعة القرافة المرصدة لسلاح الْجِهَاد المتطوع بِهِ: بهَا سِتُّونَ ألف سهم من بعض السِّهَام الَّتِي فِي أحد بيُوت قاعة من قاعاته قيل إِن فِيهِ عدَّة قاعات فِي كل قاعة عدَّة بيُوت فِي كل بَيت آلَاف مؤلفة من السِّهَام إِلَى غَيرهَا من السيوف والرماح والمزاريق والأتراس والخوذ والقنابر والزرد والزرديات والأطواف والقرقلات والسواعد والركب والساقات والأقدام الْحَدِيد والقسي الملولبة والجرخ والركاب والأعلام مَا لَا ينْحَصر بلأقلام. ثمَّ فِيهِ أَيْضا من حِجَارَة العلاج والمدافع والنفط وحيل الحروب ومكايدها كثيرا فَلَو علمت بِهِ الفرنج أحرقته سَرِيعا فَحصل اللطف الْكَبِير من اللَّطِيف الْخَبِير لعدم معرفتهم إِيَّاه بعد أَن أَتَوا إِلَى بَابه ظنُّوا أَنه أحد أَبْوَاب الْمَدِينَة خَافُوا من كسر بَابه ليَكُون وَرَائه كمين يطبق عَلَيْهِم. قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أَجْمَعِينَ - حَدثنِي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف حارس الْقصر الْمَذْكُور - وَيعرف بِابْن قراجا - قَالَ: كنت فِيهِ. بمفردي لما دخلت الفرنج الْإسْكَنْدَريَّة فأغلقت بَابه وقرأت حزب سَيِّدي الشَّيْخ الصَّالح أبي الْحسن الشاذلي وَإِذا بالفرنج أَتَوا إِلَى الزريبة فيهم خيالة وَمُشَاة وَكنت صعدت أَعلَى الْقصر فعدت أنظر إِلَيْهِم من شقوق فِي حَائِط فطلع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute