حوانيت القيسارية من الأقفال الحديدية بيد ذَلِك الرجل حَتَّى فتحهَا كلهَا وَأخذ مِنْهَا مَا يزِيد قِيمَته على عشرَة آلَاف دِينَار وهرب فِي اللَّيْل هُوَ وَأَهله. فَأصْبح النَّاس بالقيسارية وَهِي مفتحة الحوانيت فارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَحضر وَالِي الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ التُّجَّار وَغَيرهم بهَا. فَقَالَت امْرَأَة مِمَّن يسكن بِالربعِ علو القيسارية: قد رَأينَا البارحة لَيْلًا ابْن القماح هُنَا فَأخذ الْوَالِي فِي طلبه فَلم يقدر عَلَيْهِ وَلَا على صَدَقَة الحارس. وَرفع التُّجَّار شكواهم إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فَاشْتَدَّ حنقه على وَالِي الْقَاهِرَة وألزمه بِإِخْرَاج السَّارِق. فَبينا هُوَ فِي الفحص عَن ابْن القماح إِذْ دلّه شخص على مَوْضِعه فَركب إِلَيْهِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه وأحاط بِالْبَيْتِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَألْقى نَفسه من علو الْبَيْت يُرِيد النجَاة فَانْكَسَرت يَده وَقبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده أَحْمد وعَلى الأقفالي الَّذِي فتح لَهُ الحوانيت. فَوجدَ القماش الَّذِي أَخذ وَالْمَال بِعَيْنِه لم يُفقد مِنْهُ شَيْء فَحمل ذَلِك على عدَّة حمالين وَسَار بهم والمغاني تزفهم حَتَّى طلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير. فَأقر ابْن القماح. بِمَا تقدم ذكره فَأمر الْوَالِي بعقوبة الْجَمِيع. فَنزل بهم فِي الْحَدِيد والعملة من ورائهم على رُءُوس الحمالين والمغاني تزفهم فِي شَارِع الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ثمَّ أَخذ التُّجَّار مَالهم بِتَمَامِهِ وكماله. وظفر أَيْضا الْوَالِي بِصَدقَة الحارس فَمَا زَالَ هُوَ والأقفالي تَحت الْعقُوبَة حَتَّى هلكا. وضُرب ابْن القماح وَولده مرَارًا وسُجن فِي خزانَة شمايل فَإِنَّهُ لم يجب عَلَيْهِ الْقطع شرعا. لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول عَن الأقفال هَذَا ناولني الْمَتَاع من الحوانيت. فَأَقَامَ عدَّة سِنِين فِي السجْن ثمَّ أخرج واتضع حَاله حَتَّى مَاتَ. فِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب طرابلس باستدعاء فَأكْرم غَايَة الْإِكْرَام وَحمل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء تقادم كَبِيرَة جدا. وَفِي هَذَا الْوَاقِعَة ألزم وَالِي الْقَاهِرَة عريف قيسارية جهاركس أَلا يُسكن بهَا تَاجِرًا حَتَّى يضمن عَلَيْهِ وَصَارَ يتهدد التُّجَّار بفعلة ابْن القماح فَتحدث النَّاس فِي الْقَاهِرَة بِهَذِهِ الْوَاقِعَة أعواما كَثِيرَة. وَقدم الْبَرِيد بِوُقُوع الوباء بصفد. وَجَاءَت الْأَخْبَار بغلاء الأسعار. بِمَكَّة فَلَمَّا قدمهَا الرجبية انْحَلَّت قَلِيلا حَتَّى أبيعت الويبة الدَّقِيق درهما والويبة الشّعير من ثَلَاثِينَ إِلَى عشْرين درهما مَعَ غلاء كل مَا يُؤْكَل وَبَلغت الغرارة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. فَلَمَّا قدم الْحَاج فِي الْمَوْسِم ارْتَفَعت الأسعار وَبَلغت الويبة الدَّقِيق إِلَى خمسين درهما وَمَا فَوْقهَا والويية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute