وَفِيه قدم سيف بَزْلار نَائِب دمشق. وَكَانَ من خَبره أَن منطاش لما غلب على الْأَمر كتب يستدعيه فِي ثَلَاثَة سروج على الْبَرِيد فَأجَاب: لَا أحضر إِلَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ ألفا فَكتب إِلَى الْأَمِير جَنتمُر بِولَايَة دمشق أَن اقبض عَلَيْهِ. ثمَّ سير إِلَيْهِ التشريف والتقليد وَكتب إِلَيْهِ بِأَن يكون مُحَمَّد شاه بن بيدمر أتابك دمشق وجبرائيل حَاجِب الْحَاجِب فتعاون الْجَمَاعَة عَلَيْهِ وقبضوه ففر دواداره وَأظْهر الْخلاف وانضم إِلَيْهِ طَائِفَة كَبِيرَة خَارج دمشق. وَفِيه قدم الْبَرِيد من غَزَّة بِأَن الْملك الظَّاهِر برقوق خلص من السجْن وَاسْتولى على مَدِينَة الكرك وَوَافَقَهُ حسن الكجكني النَّائِب وَقَامَ فِي خدمته وَقد حضر إِلَيْهِ ابْن خاطر أَمِير بني عقبَة - عرب الكرك - وَدخل فِي طَاعَته فاضطرب منطاش. وَكَانَ من خبر الظَّاهِر أَن منطاش لما تحكم بِمصْر بعث شخصا يعرف بالشهاب البريدي إِلَى الكرك وَمَعَهُ كُتب إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني بقتل الظَّاهِر. وَكَانَ هَذَا الشَّاب من أهل الكرك وَتزَوج بابنة عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى المقيري قَاضِي الكرك ثمَّ شجر بَينهمَا فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى طَلقهَا وَزوجهَا بِغَيْرِهِ. وَكَانَت جميلَة فشق عَلَيْهِ فراقها وَخرج من الكرك. وَضرب الدَّهْر ضرباته فَكَانَ من قيام منطاش مَا قد ذكرنَا فاتصل بِهِ ووعده بِأَنَّهُ يقتل لَهُ الْملك الظَّاهِر برقوق. فَكتب مَعَه إِلَى الْأَمِير حسن الكجكني بمعاونته على قتل الظَّاهِر وَأَن ينزله بالقلعة فَمضى على الْبَرِيد وَنزل بالمقير بلد القَاضِي عماد الدّين. وَلم يكتم مَا فِي نَفسه من الحقد وَقَالَ: وَالله لأخربن دياره وأزيد فِي احكار أملاكه وأملاك أَقَاربه بالمقير فأوحش قُلُوب النَّاس مِنْهُ. وَقَامَ فِي اللَّيْل يُرِيد دُخُول مَدِينَة الكرك وَبعث إِلَى النَّائِب من يَصِيح بِهِ من تَحت السُّور فَمَنعه من ذَلِك وأحس بِالشَّرِّ. فَلَمَّا أصبح أحضرهُ إِلَى دَار السَّعَادَة وَقَرَأَ كتاب السُّلْطَان وَكتاب الْأَمِير منطاش بِأُمُور أخر. فَلَمَّا انفض النَّاس أخرج إِلَيْهِ الْكتاب بقتل الظَّاهِر فَقَامَ من فوره وَدخل على الْملك الظَّاهِر بعد أَن أنزل الشهَاب فِي مَكَان بالقلعة - اخْتَارَهُ قَرِيبا من الْموضع الَّذِي فِيهِ الظَّاهِر - وَأَوْقفهُ على الْكتاب فكاد أَن يهْلك من الْجزع فَحلف عِنْد ذَلِك بِكُل يَمِين أَنه لَا يُسلمهُ أَو يَمُوت. وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى سكن روعه. هَذَا وَقد اشْتهر فِي الْمَدِينَة مَجِيء الشهَاب وَكثر الْكَلَام فِيهِ وَثقل على النَّاس وخافوا شَره. وَأخذ يلج فِي العجلة بقتل الظَّاهِر والنائب يدافعه إِلَى أَن قَالَ لَهُ: هَذَا مَا أَفعلهُ بِوَجْه حَتَّى أكتب إِلَى مصر بِمَا أعرفهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute