وَقَالَ: هَذِه بَلْدَة الْأَنْبِيَاء وَقد أعتقتها لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَن أَوْلَادِي. فَقَامَ ابْن مُفْلِح فِي الثَّنَاء على تمر قيَاما عَظِيما وَشرع يخذل النَّاس عَن الْقِتَال ويكفهم عَنهُ فَمَال مَعَه طَائِفَة من النَّاس وخالفته طَائِفَة وَقَالَت: لَا نرْجِع عَن الْقِتَال. وَبَاتُوا لَيْلَة السبت على ذَلِك وَأَصْبحُوا وَقد غلب رَأْي ابْن مُفْلِح فعزم على إتْمَام الصُّلْح وَأَن من خَالف ذَلِك قتل. وَفِي الْوَقْت قدم رَسُول تمر إِلَى سور الْمَدِينَة فِي طلب الطقزات وَهِي عَادَة تمر إِذا أَخذ مَدِينَة صلحا أَن يخرج إِلَيْهِ أَهلهَا من كل نوع من أَنْوَاع المآكل والمشارب وَالدَّوَاب والملابس تِسْعَة يسمون ذَلِك طقزات فَإِن التِّسْعَة بلغتهم يُقَال لَهَا طقز. فبادر ابْن مُفْلِح واستدعي من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والتجار حمل ذَلِك فشرعوا فِيهِ حَتَّى كمل وَسَارُوا بِهِ إِلَى بَاب النَّصْر ليخرجوه إِلَى تمرلنك فَمَنعهُمْ نَائِب القلعة من ذَلِك وهددهم بحريق الْمَدِينَة عَلَيْهِم. فَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله وَتركُوا بَاب النَّصْر ومضوا إِلَى جِهَة أُخْرَى من جِهَات الْبَلَد. وأرخوا الطقزات من السُّور وتدلي ابْن مُفْلِح وَمَعَهُ كثير من الْأَعْيَان وَغَيرهم وَسَارُوا إِلَى مخيم تمرلنك وَبَاتُوا بِهِ لَيْلَة الْأَحَد. ثمَّ عَادوا بكرَة الْأَحَد وَقد اسْتَقر تمر مِنْهُم بِجَمَاعَة فِي عدَّة وظائف مَا بَين قُضَاة قُضَاة ووزير ومستخرج الْأَمْوَال وَنَحْو ذَلِك وَمَعَهُمْ فرمان وَهُوَ ورقة فِيهَا تِسْعَة أسطر تَتَضَمَّن أَمَان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خَاصَّة. فقري على مِنْبَر جَامع بني أُميَّة وَفتح من أَبْوَاب الْمَدِينَة بَاب الصَّغِير فَقَط وَقدم أَمِير من أُمَرَاء تمرلنك فَجَلَسَ بِهِ ليحفظ الْبَلَد مِمَّن يعبر إِلَيْهَا وَأكْثر ابْن مُفْلِح وَمن كَانَ مَعَه من ذكر محَاسِن تمرلنك وَبث فضائله ودعا الْعَامَّة إِلَى طَاعَته وموالاته وحثهم بأسرهم على جمع المَال الَّذِي تقرر جمعه وَهُوَ ألف ألف دِينَار فَفرض ذَلِك على النَّاس كلهم وَقَامُوا بِهِ من غير مشقة لِكَثْرَة أَمْوَالهم. فَلَمَّا كمل المَال حمله ابْن مُفْلِح وَأَصْحَابه إِلَى تمر ووضعوه بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا عاينه غضب غَضبا شَدِيدا وَلم يرض بِهِ وَأمر بِابْن مُفْلِح وَمن مَعَه أَن يخرجُوا عَنهُ فاخرجوا ووكل بهم. ثمَّ ألزموا بِحمْل ألف تومان والتومان عبارَة عَن عشرَة آلَاف دِينَار من الذَّهَب إِلَّا أَن سعر الدِّينَار عِنْدهم يخْتَلف فَتكون جملَة ذَلِك عشرَة آلَاف ألف دِينَار فالتزموا بهَا وعادوا إِلَى الْبَلَد وفرضوه على النَّاس فجبوا أُجْرَة مسَاكِن دمشق كلهَا عَن ثَلَاثَة أشهر وألزموا كل إِنْسَان من ذكر وَأُنْثَى وحر وَعبد وصغير وكبير بِعشْرَة دَرَاهِم. وألزم مبَاشر كل وقف من سَائِر الْأَوْقَاف بِمَال فَأخذ من أوقاف جَامع بني أُميَّة ألف دِرْهَم وَمن بَقِيَّة أوقاف الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والمشاهد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute