الْقَاهِرَة ليسلطوا الشَّيْخ لاجين الجركسي فَركب الْأُمَرَاء فِي أخر لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشرينه وَأخذُوا السُّلْطَان وَخَرجُوا بَغْتَة من غير أَن يعي وَالِد على وَلَده. وَسَارُوا على عقبَة دمر يُرِيدُونَ مصر من جِهَة السَّاحِل ومروا بصفد فاستدعوا نائبها الْأَمِير تمربغا المنجكي وأخذوه مَعَهم إِلَى غَزَّة. وتلاحق بهم كثير من أَرْبَاب الدولة. فَأدْرك السُّلْطَان الْأُمَرَاء الَّذين اختفوا بِدِمَشْق: سودن الطار وقاني باي وَمن مَعَهُمَا بغزة. فَمَا أمكن إِلَّا مجاملتهم وَأقَام بغزة ثَلَاثَة أَيَّام وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا قدم بَين يَدَيْهِ آقبغا الْفَقِيه أحد الدوادارية. فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَأعلم بوصول السُّلْطَان إِلَى غَزَّة فارتجت الْبَلَد وكادت عقول النَّاس أَن تختل. وَشرع كل أحد يَبِيع مَا عِنْده ويستعد للهروب من مصر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه قدم السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وأمراء الدولة وَنَحْو الْألف من المماليك السُّلْطَانِيَّة ونائب دمشق الْأَمِير تغري بردى وحاجب الْحجاب بهَا الْأَمِير باشا باي وغالب أمرائها ونائب صفد ونائب غَزَّة وهم فِي أَسْوَأ حَال لَيْسَ مَعَ الْأَمِير سوى مَمْلُوك أَو مملوكين فَقَط وَفِيهِمْ من هُوَ بمفرده لَيْسَ مَعَه من يَخْدمه. وَذَهَبت أَمْوَالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم وَسَائِر مَا كَانَ مَعَه مِمَّا لَو قوم لبلغت قِيمَته عشرات آلَاف ألف دِينَار. وشوهد كثير من المماليك لما قدم وَهُوَ عُرْيَان. وَكَانَ الْأَمِير يلبغا السالمي قد تلقي السُّلْطَان بالكسوة لَهُ وللخليفة وَسَائِر الْأُمَرَاء. وَأما دمشق فَإِن النَّاس بهَا أَصْبحُوا يَوْم الْجُمُعَة بعد هزيمَة السُّلْطَان ورأيهم محاربة تمرلنك فَرَكبُوا أسوار الْمَدِينَة وَنَادَوْا بِالْجِهَادِ وزحف عَلَيْهِم أَصْحَاب تمر فقاتلوهم من فَوق السُّور وردوهم عَنهُ وَأخذُوا مِنْهُم عدَّة من خيولهم. وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْألف وأدخلوا رُءُوسهم إِلَى الْمَدِينَة فَقدم رجلَانِ من قبل تمر وصاحا بِمن على السُّور: أَن الْأَمِير يُرِيد الصُّلْح فَابْعَثُوا رجلا عَاقِلا حَتَّى نحدثه فِي ذَلِك. فَوَقع اخْتِيَار النَّاس على إرْسَال قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح الْحَنْبَلِيّ فَأرْخى من السُّور وَاجْتمعَ بتمرلنك وَعَاد إِلَى دمشق وَقد خدعه تمرلنك وتلطف مَعَه فِي القَوْل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute