بِإِخْرَاج أَمْوَال الَّذين فروا من التُّجَّار وَغَيرهم إِلَى دمشق خوفًا مِنْهُ. وَكَانَ قد خرج من دمشق عَالم عَظِيم فتسارعوا إِلَى حمل ذَلِك إِلَيْهِ وجروا على عَادَتهم فِي النميمة بِمن عِنْده من ذَلِك شَيْء حَتَّى أَتَوا على الْجَمِيع. فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ ذَلِك كُله ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ سَائِر مَا فِي الْمَدِينَة من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْجمال فَاخْرُج إِلَيْهِ جَمِيع مَا كَانَ فِي الْمَدِينَة من الدَّوَابّ حَتَّى لم يبْق بهَا شَيْء من ذَلِك. ثمَّ ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ جَمِيع آلَات السِّلَاح جليلها وحقيرها فتتبعوا ذَلِك وَدلّ بَعضهم على بعض حَتَّى لم يبْق بهَا من آلَات الْقِتَال وأنواع السِّلَاح شَيْء. ثمَّ بعد حمل الفريضتين ورميه ابْن مُفْلِح وَمن مَعَه بِالْعَجزِ عَن الاستخراج قبض على أَصْحَاب ابْن مُفْلِح وألزمهم أَن يكتبوا لَهُ جَمِيع خطط دمشق وحاراتها وسككها فَكَتَبُوا ذَلِك ودفعوه إِلَيْهِ ففرقه على أمرائه. وَقسم الْبَلَد بَينهم فَسَارُوا إِلَيْهَا وَنزل كل أَمِير فِي قسمه وَطلب من فِيهِ وطالبهم بالأموال فَكَانَ الرجل يُوقف على بَاب دَاره فِي أزرى هَيْئَة وَيلْزم بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من المَال فَإِذا توقف فِي إِحْضَاره عذب بأنواع الْعَذَاب من الضَّرْب وعصر الْأَعْضَاء وَالْمَشْي على النَّار وتعليقه منكوشاً وربطه بيدَيْهِ وَرجلَيْهِ وغم أَنفه بِخرقَة فِيهَا تُرَاب ناعم حَتَّى تكَاد نَفسه تخرج فيخلى عَنهُ حَتَّى يستريح ثمَّ تُعَاد عَلَيْهِ الْعقُوبَة. وَمَعَ هَذَا كُله تُؤْخَذ نساوه وَبنَاته وَأَوْلَاده الذُّكُور وتقسم جَمِيعهم على أَصْحَاب ذَلِك الْأَمِير فيشاهد الرجل المعذب امْرَأَته وَهِي تُوطأ وَابْنَته وَهِي تقبض بَكَارَتهَا وَولده وَهُوَ يلاط بِهِ فَيصير هُوَ يصْرخ مِمَّا بِهِ من ألم الْعَذَاب وَابْنَته وَولده يصرخون من ألم إِزَالَة الْبكارَة وإتيان الصَّبِي وكل هَذَا نَهَارا وليلاً من غير احتشام وَلَا تستر. ثمَّ إِذا قضوا وطرهم من الْمَرْأَة وَالْبِنْت وَالصَّبِيّ طالبوهم بِالْمَالِ وأفاضوا عَلَيْهِم أَنْوَاع الْعُقُوبَات وأفخاذهم مضرجة بالدماء. وَفِيهِمْ من يعذب بِأَن يشد رَأس من يُعَاقِبهُ بِحَبل ويلويه حَتَّى يغوص فِي الرَّأْس وَفِيهِمْ من يضع الْحَبل على كَتِفي المعذب ويديره من تَحت إبطه ويلويه بعصا حَتَّى ينخلع الْكَتِفَيْنِ. وَفِيهِمْ من يرْبط إِبْهَام الْيَدَيْنِ من وَرَاء الظّهْر ويلقي المعذب على ظَهره ويذر فِي مَنْخرَيْهِ رَمَادا سحيقاً ثمَّ يعلقه بإبهام يَدَيْهِ فِي سقف الدَّار ويشعل النَّار تَحْتَهُ. وَرُبمَا سقط فِي النَّار فسحبوه مِنْهَا وألقوه حَتَّى يفِيق فيعذب أَو يَمُوت فَيتْرك. وَاسْتمرّ هَذَا الْبلَاء مُدَّة تِسْعَة عشر يَوْمًا آخرهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين رَجَب فَهَلَك فِيهَا بالعقوبة وَمن الْجُوع خلق لَا يدْخل عَددهمْ تَحت حصر. فَلَمَّا علمُوا أَنه لم يبْق فِي الْمَدِينَة شَيْء لَهُ قدر خَرجُوا إِلَى تمرلنك فأنعم بِالْبَلَدِ على أَتبَاع الْأُمَرَاء فَدَخَلُوهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر رحب وَمَعَهُمْ سيوف مَشْهُورَة وهم مشَاة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute