للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فنهبوا مَا بَقِي من الأثاث وَسبوا نسَاء دمشق بأجمعهن وَسَاقُوا الْأَوْلَاد وَالرِّجَال وَتركُوا من عمره خمس سِنِين فَمَا دونهَا وَسَاقُوا الْجَمِيع مربطين فِي الحبال. ثمَّ طرحوا النَّار فِي الْمنَازل وَكَانَ يَوْمًا عاصف الرّيح فَعم الْحَرِيق الْبَلَد كلهَا وَصَارَ لَهب النَّار يكَاد أَن يرْتَفع إِلَى السَّحَاب وعملت النَّار ثَلَاثَة أَيَّام آخرهَا يَوْم الْجُمُعَة. وَأصْبح تمر يَوْم السبت ثَالِث رَجَب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري بَعْدَمَا أَقَامَ على دمشق ثَمَانِينَ يَوْمًا وَقد احترقت كلهَا وَسَقَطت سقوف جَامع بني أُميَّة من الْحَرِيق وزالت أبوابه وتفطر رخامه وَلم يبْق غير جدره قَائِمَة. وَذَهَبت مَسَاجِد دمشق ومدارسها ومشاهدها وَسَائِر دورها وقياسرها وأسواقها وحماماتها وَصَارَت أطلالاً بالية ورسوماً خَالِيَة قد أقفرت من السَّاكِن وامتلأت أرْضهَا بجثث الْقَتْلَى وَلم يبْق بهَا دَابَّة تدب إِلَّا أَطْفَال يتَجَاوَز عَددهمْ آلَاف فيهم من مَاتَ وَفِيهِمْ من يجود بِنَفسِهِ. وَأما بَقِيَّة أُمَرَاء مصر وَغَيرهم فَإِنَّهُم لما علمُوا بتوجه السُّلْطَان من دمشق خَرجُوا مِنْهَا طوائف طوائف يُرِيدُونَ اللحاق بالسلطان فَأَخذهُم العشير وسلبوهم مَا مَعَهم وَقتلُوا خلقا كثيرا. وظفر أَصْحَاب تمرلنك بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فسلبوه مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وأحضروه إِلَى تمرلنك فمرت بِهِ محن شَدِيدَة آلت إِلَى أَن غرق بنهر الزاب وَهُوَ فِي الْأسر. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون الْمَالِكِي بداخل مَدِينَة دمشق. فَلَمَّا علم بتوجه السُّلْطَان تدلى من سور الْمَدِينَة وَسَار إِلَى تمرلنك فَأكْرمه

<<  <  ج: ص:  >  >>