تُقَام كل قِطْعَة مقَام فلس فيشترى بهَا مَا يشترى بالفلس إِلَى أَن كَانَت سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة ضربت الْفُلُوس الجدد وَجعلت أَرْبَعَة وَعشْرين فلسًا بدرهم كاملي زنة الْفلس مِنْهَا مِثْقَال. فَلَمَّا استبد الْأَمِير مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينه - الْمَعْرُوف بِجَمَال الدّين الأستادار - وتحكم فِي أُمُور الدولة مُنْذُ أَعْوَام بضع وَتِسْعين أَكثر من ضرب الْفُلُوس شرفاً فِي الْفَائِدَة. فَلم يمت الظَّاهِر برقوق حَتَّى صَارَت الْفُلُوس هِيَ النَّقْد الرائج الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ قيم الْأَعْمَال كلهَا وأثمان المبيعات بجملتها. وَقلت الدَّرَاهِم الكاملية بترك السُّلْطَان والرعية ضربهَا ولسبكهم إِيَّاهَا واتخاذها حليا وأواني وردف ذَلِك كَثْرَة النَّفَقَات فِي العساكر من الذَّهَب المخلف عَن الظَّاهِر فَكثر بِالْأَيْدِي وَصَارَ أَيْضا نَقْدا رائجاً إِلَّا أَنه ينْسب إِلَى الْفُلُوس وَلَا تنْسب الْفُلُوس إِلَيْهِ فَيُقَال: كل دِينَار بِكَذَا كَذَا دِرْهَم من الْفُلُوس. وَصَارَت الْفضة مَعَ هَذَا كَأَنَّهَا من جملَة الْعرُوض تبَاع بحراج فِي النداء كل دِرْهَم من الكاملية بِكَذَا وَكَذَا من الْفُلُوس. وكل دِرْهَم من الْفضة الْحجر - وَهِي الْخَالِصَة الَّتِي لم تضرب وَلم تغش - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَم من الْفُلُوس. ثمَّ دخل الْفساد فِي الْفُلُوس فَضرب بالإسكندرية مِنْهَا شَيْء أقل من وزن فلوس الْقَاهِرَة وَتَمَادَى أمرهَا فِي النُّقْصَان حَتَّى صَار وزن الْفلس أقل من ربع دِرْهَم وَكَانَت القفة زنة مائَة وَعشْرين رطلا - عَنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم - فَصَارَت زنة مائَة وَثَمَانِية عشر رطلا ثمَّ صَارَت مائَة وَسَبْعَة عشر رطلا مَا ثمَّ صَارَت مائَة وَخَمْسَة عشر رطلا ثمَّ صَارَت مائَة واثني عشر رطلا واستمرت كَذَلِك عدَّة أَعْوَام. فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه المحن والحوادث كثرت فلوس الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى بقيت زنة القفة ثَمَانِيَة وَعشْرين رطلا فشنعت القالة وَكثر تعنت النَّاس فِي الْفُلُوس وزهدوا فِيهَا وَكَثُرت رغبتهم فِي الذَّهَب فبدلوا فِيهِ الْكثير من الْفُلُوس حَتَّى بلغ هَذَا الْمِقْدَار فامتعض الْأَمِير يشبك الدوادار لذَلِك وَتقدم بِإِبْطَال ضرب الْفُلُوس وَبلغ سعر لحم الضَّأْن كل رَطْل بِخَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وَالدِّرْهَم الكاملي كل عشرَة دَرَاهِم بِثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس والطائر الأوز بسبعين درهما. وَقلت اللحوم فَلم تُوجد إِلَّا بعناء وَهِي هزيلة وأبيع الرطل من لحم الْبَقر بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف وَاللَّبن كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ والرطل السّمن بِثمَانِيَة عشر درهما. وبيعت خمس بقرات بِخمْس وَعشْرين ألف دِرْهَم وخروفان بِأَلفَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَزوج أوز بثلاثمائة دِرْهَم. وانحل سعر الغلات فَبيع الأردب الْقَمْح بمائتين وَعشْرين بعد أَرْبَعمِائَة ونيف والأردب الشّعير بِمِائَة وَأَرْبَعين بعد مِائَتَيْنِ ونيف وَالْحمل التِّبْن بِثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ بعد مائَة ونيف. وأبيع فِي شهر ربيع الأول الأردب الحمص بِخَمْسِمِائَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute