للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَخرج الْأَمِير شيخ وَجلسَ بداخل بَاب القلعة ووقف أَصْحَابه على رَأسه وَفَوق سور القلعة وَتَوَلَّى كَاتب السِّرّ محادثة الْأَمِير شيخ فطال الْخطب بَينهمَا واتسع مجَال الْكَلَام فَتَارَة يعظه وَأُخْرَى يؤنبه ويوبخه وآونة يعدد بِاللَّه على السُّلْطَان من جميل الأيادي وعوائد النَّصْر على أعدائه ويخوفه عَاقِبَة الْبَغي وَفِي كل ذَلِك يعْتَذر الْأَمِير شيخ ثمَّ انصرفوا على أَن الْأَمِير شيح لَا يُقَابل السُّلْطَان أبدا خوفًا من سوء مَا اجترمه وقبيح مَا فعله فَأبى السُّلْطَان إِلَّا أَن ينزل إِلَيْهِ وَأعَاد الْأَمِير تغري بردى وَفتح الله فَقَط بَعْدَمَا ألح تغري بردى على السُّلْطَان فِي سُؤَاله الْعَفو فأحلف الْأَمِير شيخ وَأخذ مِنْهُ الْأَمِير كمشبغا الجمالي وأسنبغا بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِمَا وأدلاهما بحبال من سور القلعة ثمَّ أرْخى أَيْضا ابْنه ليَبْعَث بِهِ إِلَى السُّلْطَان فصاح الصَّغِير وبكي من شدَّة خَوفه فرحمه من حضر وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى نشله. وتصايح الْفَرِيقَانِ من أَعلَى القلعة وَفِي جَمِيع خيم الْعَسْكَر. فَرحا وسروراً بِوُقُوع الصُّلْح. وَذَلِكَ أَن أهل القلعة كَانُوا قد أشفوا على الْأَخْذ لقلَّة زادهم ومائهم وخوفاً من حِجَارَة المنجنيق فَإِنَّهَا كَانَت تدمرهم تدميراً لَو رمى بهَا عَلَيْهِم. وَأما الْعَسْكَر فَإِنَّهُم كَانُوا طول إقامتهم يسرحون كل يَوْم فينهبون الْقرى نهباً قبيحاً وَيَأْخُذُونَ مَا يجدونه من الغلال والأغنام وآلات النِّسَاء ويعاقبون من ظفروا بِهِ حَتَّى يطلعهم على مَا عِنْده من علف الدَّوَابّ وَغَيره وَفِيهِمْ من يتَعَرَّض للحريم فَيَأْتُونَ من القبائح بِمَا يشنع ذكره وَهَذَا وهم فِي خصَاصَة من الْعَيْش وَقل من المأكل. وكادت بركَة صرخد أَن ينْزح مَاؤُهَا. وَمَعَ ذَلِك فَإِن أَصْحَاب السُّلْطَان معظمهم غير مناصح لَهُ لَا يُرِيدُونَ أَن يظفر بالأمير شيخ خشيَة أَن يتفرغ مِنْهُ لَهُم. فَلهَذَا حسن موقع الصُّلْح من الطَّائِفَتَيْنِ وَبَات الْعَسْكَر على رحيل وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فَركب الْأَمِير تغري بردى وَكَاتب السِّرّ فتح الله والأمير جمال الدّين ومعظم الْأُمَرَاء فَصَعِدُوا إِلَى قلعة صرخد وجلسوا على شَفير خندقها - وَكنت مَعَهم - فَخرج الْأَمِير شيخ وَجلسَ بداخل بَاب القلعة ووقف من مَعَه على رَأسه وَمن فَوق السُّور. وأحلف فتح الله من بَقِي مَعَ الْأَمِير شيخ من الْأُمَرَاء للسُّلْطَان وهم جانم نَائِب حماة وقرقماس ابْن أخي دمرداش نَائِب صفد وتمراز الْأَعْوَر وَأَفْرج الْأَمِير شيخ عَن يحيي بن لاقي وتجار دمشق وَغَيرهم مِمَّن كَانَ مسجوناً مَعَه وَبعث للسُّلْطَان تقدمة فِيهَا عدَّة مماليك وتقرر الْحَال على مسير الْأَمِير شيخ نَائِبا بطرابلس وَأَن يلبس التشريف السلطاني إِذا رَحل السُّلْطَان. فَلَمَّا عَادوا إِلَى السُّلْطَان رَحل من صرخد وَقد رَحل أَكثر المماليك من اللَّيْل فَسَار فِي قَلِيل من ثقاته وَترك عدَّة من الْأُمَرَاء على صرخد

<<  <  ج: ص:  >  >>