للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبلاد الشَّام من حَيْثُ يصب النّيل إِلَى مجْرى الْفُرَات فطرق الطاغية تيمورلنك بِلَاد الشَّام فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَخرب حلب وحماة وبعلبك ودمشق وحرقها حَتَّى صَارَت دمشق كوماً لَيْسَ بهَا دَار وَقتل من أهل الشَّام مَا لَا يُحْصى عدده إِلَّا الله تَعَالَى وَقطع أشجارها حَتَّى لم يبْق بِدِمَشْق حَيَوَان وَنقل إِلَيْهَا من مصر حَتَّى الْكلاب وَخَربَتْ أَرَاضِي فلسطين بِحَيْثُ أَقَامَت الْقُدس مُدَّة إِذا أُقِيمَت صَلَاة الظّهْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَا يصلى خلف الإِمَام سوى رجلَيْنِ. وطرق ديار مصر الغلاء من سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة فبذل أُمَرَاء دولته ومدبروها جهدهمْ فِي ارْتِفَاع الأسعار بخزنهم الغلال وَبَيْعهَا بالسعر الْكَبِير ثمَّ زِيَادَة أُجْرَة أطيان أَرَاضِي مصر حَتَّى عظمت كلفة مَا تخرجه الْأَرَاضِي وأفسدوا مَعَ ذَلِك النُّقُود بِإِبْطَال السِّكَّة الإسلامية من الذَّهَب والمعاملة بِالدَّنَانِيرِ المشخصة الَّتِي هِيَ ضرب النَّصَارَى. وَرفعُوا سعر الذَّهَب حَتَّى بلغ إِلَى مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين كل مِثْقَال بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرين درهما. وعكسوا الْحَقَائِق فصيروا الْفُلُوس - الَّتِي لم تكن قطّ فِي قديم الدَّهْر وَلَا حَدِيثه نَقْدا رابحاً - هِيَ الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا مِمَّن المبيعات وقيم الْأَعْمَال. وَأخذت على نواحي مصر مغارم تجبى من الفلاحين فِي كل سنة وأهمل عمل جسور أَرَاضِي مصر وألزم النَّاس أَن يقومُوا عَنْهَا بأموال تجبى مِنْهُم وَتحمل إِلَيْهِ. وَأكْثر وزرائه من رمي البضائع على التُّجَّار وَنَحْوهم من الباعة بأغلى الْأَثْمَان واضطروهم إِلَى حمل ثمنهَا فعظمت مغارمهم للرسل الَّتِي تستحثهم ولمستخرجي المَال مِنْهُم مَعَ الخسارة فِي أَثمَان مَا طرح عَلَيْهِم من البضائع لَا جرم أَن خرب إقليم مصر وزالت نعم أَهله وَقلت أَمْوَالهم وَصَارَ الغلاء بَينهم كَأَنَّهُ طبيعي لَا يُرْجَى زَوَاله. هَذَا مَعَ تَوَاتر الْفِتَن واستمرارها بِالشَّام ومصر وتكرار سمره إِلَى الْبِلَاد الشامية مِمَّا من سفرة إِلَيْهَا إِلَّا وَينْفق فِيهَا خَارِجا عَمَّا عِنْده من الْخُيُول وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك زِيَادَة على ألف ألف دِينَار يجبيها من دِمَاء أهل مصر ومهجهم. ثمَّ يقدم إِلَى الشَّام فيخرب الديار ويستأصل فخربت الْإسْكَنْدَريَّة وبلاد الْبحيرَة وَأكْثر الشرقية ومعظم الغربية والجيزية وتدمرت بِلَاد الفيوم وَعم الخراب بِلَاد الصَّعِيد بِحَيْثُ بَطل مِنْهَا زِيَادَة على أَرْبَعِينَ خطة كَانَت تُقَام فِي يَوْم الْجُمُعَة ودثر ثغر أسوان وَكَانَ من أعظم ثغور الْمُسلمين فَلم يبْق بِهِ أَمِير وَلَا كَبِير لَا سوق وَلَا بَيت وتلاشت مَدَائِن الصَّعِيد كلهَا وَخرب من

<<  <  ج: ص:  >  >>