للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتوجه السُّلْطَان من حلب عَائِدًا إِلَى دمشق فَنزل حماة وعزم على الْإِقَامَة بهَا مُدَّة الشتَاء ليحسم مواد الْفِتَن وَيَأْخُذ من فر فِي وقْعَة قنباي وهم تنباك البجاسي نَائِب حماة وسودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب طرابلس وطرباي نَائِب غَزَّة وكزل نَائِب ملطية وَغَيرهم فَأَقَامَ أَيَّامًا وبلغه عَن الْقَاهِرَة مَا اقْتضى حركته إِلَيْهَا وَقدم الْأَمِير طوغان أَمِير أخور نَائِب صفد وَقد أنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة بديار مصر فِي آخر شهر رَمَضَان وَتوجه إِلَى الشرقية لأخذ تقادم الْوُلَاة والعربان عوناً لَهُ على تَجْدِيد مَا نهب لَهُ فِي الْوَقْعَة. وَفِي هَذِه السّنة: حدث غلاء عَظِيم بديار مصر وَذَلِكَ أَن هَذِه السّنة لما أهلت كَانَت الأسعار رخيصة فَلَا يتَجَاوَز الأردب الْقَمْح نصف دِينَار إِلَّا أَن الْغَيْث كَانَ فِي أَوَانه قَلِيلا بِأَرْض مصر فَلم ينجب الزَّرْع بنواحي الْوَجْه البحري كُله من الشرقية والغربية والبحيرة وَلَا حصل مِنْهَا وَقت الْحَصاد طائل. وَحدث مَعَ هَذَا فِي كثير من نواحي أَرض مصر فأر أتلف كثيرا من الغلال وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُقُوع الْفِتْنَة بأراضي الْبحيرَة وَخُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهَا فَتلف من غلالها شَيْء كثير فَإِنَّهَا تمزقت تمزيقاً فَاحِشا ثمَّ أَن الْعَسْكَر توجه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فِي وَقت قبض الْمغل فعاثوا وأفسدوا وَلم ينالوا من المفسدين الْغَرَض وعادوا عوداً ردياً فَعظم النهب وَشن الغارات بِبِلَاد الصَّعِيد وشملت مضرَّة العربان عَامَّة النَّاس. وَوَقع الغلاء بِأَرْض الْحجاز وبوادي الْعَرَب وبلاد الشَّام فدف إِلَى أَرض مصر من هَذِه الْبِلَاد خلائق كَثِيرَة لشراء الْقَمْح فحملوا مِنْهُ مَا لَا يقدر قدره وَكَانَ مَعَ ذَلِك كُله توجه السُّلْطَان من الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام بِسَبَب الْفِتْنَة الَّتِي أثارها قنباي المحمدي فَخَلا الجو لمن يحكم بِالْقَاهِرَةِ وَتصرف أقبح تصرف وَذَلِكَ أَنه أَخذ عِنْد ابْتِدَاء زِيَادَة النّيل يستكثر من شِرَاء الْقَمْح فأشيع عَنهُ أَنه يخزنه لينال فِيهِ ربحا كثيرا فَإِن النّيل يكون فِي هَذِه السّنة قَلِيلا وَكَثُرت الإشاعة بِهَذَا فَتنبه خزان الْقَمْح وأمسكوا أَيْديهم عَن بَيْعه فَحدث مَعَ هَذَا توقف النّيل عَن الزِّيَادَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة كَمَا تقدم ذكره فجزع النَّاس وَأخذ الْأَغْنِيَاء فِي شِرَاء الْقَمْح وخزنه فارتفع سعره وَعز وجوده بعد كساده. فَلَمَّا من الله بِزِيَادَة مَاء النّيل حَتَّى بلغ الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ بِزِيَادَة اطمأنت قُلُوب الْعَامَّة فَأَرْجَفَ خزان الْقَمْح بِأَن الْفِتَن بِبِلَاد الصَّعِيد عَظِيمَة وَأَن الغلاء وَاقع من عدم الْوَاصِل فلطف الله عز وَجل وَثَبت مَاء النّيل حَتَّى قرب برد

<<  <  ج: ص:  >  >>