الخريف ثمَّ نزل نزولاً حسنا وَزرع النَّاس الْأَرَاضِي وَقد أمنُوا حُدُوث الدودة حَتَّى كمل الزَّرْع وَدخل شهر رَمَضَان وَمَعَ ذَلِك الْقَمْح أَخذ فِي الزِّيَادَة فِي الثّمن إِلَى أَن بلغ الأردب إِلَى مائَة وَسِتِّينَ درهما وَعز وجوده وَتعذر وجود التِّبْن أَيْضا بِحَيْثُ علفت الدَّوَابّ بالنخال وَمن النَّاس من عَلفهَا عوضا عَن التِّبْن قشور الْقصب وَبلغ كل حمل من التِّبْن إِلَى ثَلَاثمِائَة دِرْهَم بعد مَا كَانَ بِدُونِ الْأَرْبَعين درهما فَلم يهل شَوَّال حَتَّى زَاد الأردب الْقَمْح على مِائَتي دِرْهَم وَقل الْوَاصِل مِنْهُ من أجل أَن الْمُتَوَلِي حجر على من يجلب الْقَمْح وجدد على كل أردب مبلغا يُؤْخَذ من بَائِعه فعز وجود الْخبز بالأسواق وتزاحم النَّاس فِي الأفران على شِرَائِهِ مِنْهَا وشنعت القالة فِي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة. وفحش الإرجاف بِهِ فخاف على نَفسه واستعفى نَائِب الْغَيْبَة فأعفاه من التحدث فِي الْحِسْبَة واستدعى رجلا من الشاميين يعرف بشمس الدّين مُحَمَّد الحلاوي وولاه الْحِسْبَة فِي الْعشْرين مِنْهُ بسفارة الْأَمِير بدر الدّين حسن بن محب الدّين الأستادار فباشر بعفة عَن تنَاول مَا لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا أَنه منع من الزِّيَادَة فِي السّعر وتشدد فِيهِ فَقل الْوَاصِل حَتَّى فقد الْقَمْح وَبلغ النَّاس الْجهد. وَكَانَ خبر الْقَاهِرَة المحروسة قد انْتَشَر فِي عَامَّة أَرض مصر قبليها وبحريها فارتفعت عِنْدهم الأسعار أَيْضا وَأَقْبل أهل الْوَجْه البحري إِلَى ساحله بِالْقَاهِرَةِ فِي شِرَاء الْقَمْح لقلته عِنْدهم وَأمْسك أهل الصَّعِيد أَيْديهم عَن بيع الْقَمْح لما بَلغهُمْ من منع الحلاوي الزِّيَادَة فِي سعره فَاشْتَدَّ الْأَمر وَكثر صُرَاخ النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء وشنع ضجيجهم لفقدهم الْخبز بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَجَمِيع أَرض مصر من دمياط والإسكندرية إِلَى قوص وضجت عَامَّة المدن والقرى والأرياف. فَلَمَّا أهل ذُو الْقعدَة: تزايدت الأسعار بِالْقَاهِرَةِ ومصر لقلَّة الْوَاصِل وَاشْتَدَّ الزحام بالأفران فِي أَخذ الْخبز فخشي الحلاوي على نَفسه وَاعْتَزل. وأعيد التَّاج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشره وَقد امتدت الْأَيْدِي لخطف الْخبز وَاجْتمعَ عشرات آلَاف من النَّاس بساحل بولاق لطلب الْقَمْح فاستشعر النَّاس بِنَهْب الْبَلَد كُله وخشوا من تعطل الْأَسْوَاق وَترك البيع وَالشِّرَاء لِكَثْرَة الِاشْتِغَال بِطَلَب الْخبز والقمح فَإِن الْعَامَّة صَارَت تخرج لطلبه من نصف اللَّيْل وتزدحم بالأفران وتمضي طوائف من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي طلب الْقَمْح إِلَى السَّاحِل ويبيتون هُنَاكَ فغلت أَصْنَاف المأكل كلهَا وشرهت النَّفس وَطلب كل أحد شِرَاء أَكثر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَسب قدرته وبمقتضى حَاله من السعَة والضيق فتفاقمت الشناعة وَعظم الْخطب بِحَيْثُ عجز كل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute