ومغارم مَعَ مَا هم فِيهِ من غلاء الأسعار والخسارة فِي الذَّهَب فلطف الله وَبَطل ذَلِك بعد يَوْمَيْنِ وَقد خسر فِيهِ من خسر جملَة. وَفِيه قدم الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر رجلَانِ أبديا صنائع بديعة أَحدهمَا من مسلمة الفرنج الَّذين يتزيوا بزِي الأجناد فَإِنَّهُ نصب حبلاً أَعلَى مأذنة الْمدرسَة الناصرية حسن بسوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل ومده حَتَّى ربطه بِأَعْلَى الأشرفية من قلعة الْجَبَل ومسافة ذَلِك رمية سهم أَو أَزِيد فِي ارْتِفَاع مَا ينيف على مائَة ذِرَاع فِي السَّمَاء ثمَّ إِنَّه برز من رَأس المأذنة وَمَشى على هَذَا الْحَبل حَتَّى وصل إِلَى الأشرفية وَهُوَ يُبْدِي فِي مَشْيه أنواعاً من اللّعب وَقد جلس السُّلْطَان لرُؤْيَته وَحشر النَّاس من أقطار الْمَدِينَة فعد فعله من النَّوَادِر الَّتِي لَو لم تشاهد لما صدقت ثمَّ خلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَبَعثه إِلَى الْأُمَرَاء فَمَا مِنْهُم إِلَّا أنعم عَلَيْهِ فَانْتدبَ بعد ذَلِك بِقَلِيل شَاب من أهل الْبَلَد لمحاكاة الْمَذْكُور فِي فعله وَنصب حبلاً عِنْده فِي دَاره وَمَشى عَلَيْهِ فَلَمَّا علم من نَفسه الْقُدْرَة على ذَلِك صعد إِلَى رَأس نَخْلَة وَمد مِنْهَا حبلاً إِلَى نَخْلَة أُخْرَى وَمَشى عَلَيْهِ فأقدم عِنْد ذَلِك وَأظْهر نَفسه وَنصب حبلاً من رَأس مأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق إِلَى رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين بِالْقَاهِرَةِ وأرخي من وسط هَذَا الْحَبل الممتد حبلاً وواعد النَّاس حَتَّى ينْظرُوا مَا يَفْعَله مِمَّا لم يقدر ذَلِك الرجل على فعله فَجَاءُوا من كل جِهَة وَخرج من رَأس المأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَمَشى قَائِما على قَدَمَيْهِ وقامته منتصبة حَتَّى وصل رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية ومسافة مَا بَينهمَا نَحْو الْمِائَة ذِرَاع فِي ارْتِفَاع أَكثر من ذَلِك ثمَّ إِنَّه نَام على الْحَبل وتمدد ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى وقف على الْحَبل الَّذِي أرخاه فِي وسط الْحَبل الَّذِي هُوَ قَائِم عَلَيْهِ وَنزل فِيهِ إِلَى آخِره ثمَّ صعد فِيهِ وَهُوَ يُبْدِي فِي أثْنَاء ذَلِك فنوناً تذهل رؤيتها لَوْلَا ضَرُورَة الْحس لما صدقت وتلاشى بِمَا فعله فعل ذَلِك الرجل ثمَّ إِنَّه نصب حبلاً من مأذنة حسن إِلَى الأشرفية بالقلعة كَمَا نصب الرجل الأول وَجلسَ السُّلْطَان لمشاهدته وَأَقْبل النَّاس فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه وَقد هبت ريَاح كَادَت تقتلع الْأَشْجَار وتلقي الدّور فَخرج هَذَا الشَّاب وَتلك الرِّيَاح فِي شدَّة هبوبها فَمشى على قَدَمَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى حَبل قد أرخاه فِي الْوسط وأدلى رَأسه وَنزل فِيهِ منكوساً رَأسه أَسْفَل وَرجلَاهُ أَعْلَاهُ إِلَى آخِره ثمَّ صعد على الْحَبل الممتد وَمَشى قَائِما عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى قبَّة الْمدرسَة فَنزل من الْحَبل وَصعد الْقبَّة وَهُوَ يجْرِي فِي صُعُوده جَريا قَوِيا فَوق شكل كرْسِي من رصاص أملس حَتَّى وقف بِأَعْلَاهَا والرياح عماله فِي طول ذَلِك بِحَيْثُ لَا يثبت لَهَا طير السَّمَاء وَلَا يقدر على الْمُرُور لشدَّة هبوبها وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute