للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: جمع السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان كَاتب السِّرّ بِأَمْر السُّلْطَان أَرْبَعِينَ شريفاً اسْم كل شرِيف مِنْهُم مُحَمَّد وَفرق فيهم من مَاله هُوَ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وأجلسهم بالجامع الْأَزْهَر فقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْكَرِيم بعد صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ قَامُوا - هم وَالنَّاس - على أَرجُلهم فدعوا الله تَعَالَى وَقد غص النَّاس بالجامع الْأَزْهَر فَلم يزَالُوا يدعونَ الله حَتَّى دخل وَقت الْعَصْر فَصَعدَ الْأَرْبَعُونَ شريفاً إِلَى أَعلَى الْجَامِع وأذنوا جَمِيعًا ثمَّ نزلُوا فصلوا مَعَ النَّاس صَلَاة الْعَصْر وانفضوا وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَشَارَ بِهِ بعض الْعَجم وَأَنه عمل هَذَا بِبِلَاد الْمشرق فِي وباء حدث عِنْدهم فارتفع عقيب ذَلِك فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم السبت أَخذ الوباء يتناقص فِي كل يَوْم حَتَّى انْقَطع وَفَشَا بِبِلَاد الصَّعِيد وببوادي الْعَرَب وبمدينة حماة ومدينة حمص. وَوجد فِي بعض بساتين الْقَاهِرَة سَبْعَة دياب قد مَاتُوا بالطاعون. وَمَات عِنْد رجل أَربع دجاجات وجد فِي كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كبة فِي نَاحيَة من بدنهَا. وَكَانَ عِنْد رجل نسناسة فأصابها الطَّاعُون برأسها وأقامت ثَلَاثَة أَيَّام إِذا وضع لَهَا المَاء وَالْأكل لَا تتَنَاوَل الْغَدَاء وتشرب مرّة وَاحِدَة فِي الْيَوْم ثمَّ هَلَكت بعد ثَلَاث. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين: مِنْهُ خرج بعد غرُوب الشَّمْس بِقَلِيل كَوْكَب فِي هَيْئَة الكرة بِقدر جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْبَدْر فَمر بَين الْمشرق والقبلة إِلَى جِهَة الْمغرب وتفرق مِنْهُ شرر كثير شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر والوباء قد تناقص بِالْقَاهِرَةِ إِلَّا أَنه مُنْذُ نقلت الشَّمْس إِلَى برج الْحمل فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل فصل الرّبيع فَشَا الْمَوْت فِي أَعْيَان النَّاس وكبرائهم وَمن لَهُ شهرة بعد مَا كَانَ فِي الْأَطْفَال والخدم وَقد بلغت أَثمَان الْأَدْوِيَة وَمَا تحتاح إِلَيْهِ المرضى أَضْعَاف ثمنهَا. وَذَلِكَ أَن الْأَمْرَاض طَالَتْ مدَّتهَا بعد مَا كَانَ الْمَوْت وَحيا فَلَا تَخْلُو دَار من ميت أَو مَرِيض. وشنع فِي هَذَا الوباء مَا لم يعْهَد مثله إِلَّا فِي النَّادِر وَهُوَ خلو دور كَثِيرَة جدا من جَمِيع من كَانَ بهَا حَتَّى أَن الْأَمْوَال المخلفة عَن عدَّة من الْأَمْوَات أَخذهَا من لَا يَسْتَحِقهَا. وشنع أَيْضا الْمَوْت والأمراض فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة بِحَيْثُ ورد كتاب من طرابلس فَلم يجد الشريف عماد الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم ابْن عدنان من يتَنَاوَلهُ حَتَّى يَفْتَحهُ السُّلْطَان. وَكَانَ السَّيِّد أَبُو بكر إِذْ ذَاك يُبَاشر بعد موت أَخِيه السَّيِّد شهَاب الدّين وَقد عين كِتَابَة السِّرّ فَأَخْبرنِي - رَحمَه الله - أَنه خرج من بَين يَدي السُّلْطَان حَتَّى وجد وَاحِدًا من المماليك خَارج الْقصر فَدخل بِهِ حَتَّى أَخذ الْكتاب من القادم بِهِ وفتحه ثمَّ قَرَأَهُ هُوَ على السُّلْطَان.

<<  <  ج: ص:  >  >>