وَفِي مُدَّة هَذِه الحروب ثار أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف وَنزل على الْموصل وَنهب تِلْكَ الْأَعْمَال وَقتل وأفسد فَسَادًا كَبِيرا وَكَانَت بعراقي الْعَرَب والعجم نهوب وغارات وَمُقَاتِل بِحَيْثُ أَن شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف - متملك بَغْدَاد - من عَجزه لَا يتجاسر على أَن يتَجَاوَز سور بَغْدَاد وخلا أحد جَانِبي بَغْدَاد من السكان وَزَالَ عَن بَغْدَاد اسْم التمدن ورحل عَنْهَا حَتَّى الحياك وجف أَكثر النّخل من أَعمالهَا وَمَعَ هَذَا كُله فَوضع شاه رخ على أهل توريز مَال الْأمان حَتَّى ذهبت فِي جبايته نعمهم ثمَّ جلاهم بأجمعهم إِلَى بِلَاده وَكثر الإرجاف بقدومه إِلَى الشَّام فأوقع الله فِي عسكره الغلاء والوباء حَتَّى عَاد إِلَى جِهَة بِلَاده وَعَاد قرا يلك إِلَى ماردين فنهبها وَنهب ملطية وَمَا حولهَا إِلَى عينتاب وحرقها. وَكَانَ بِبِلَاد السراي والدشت وصحاري فِي هَذِه السّنة وَالَّتِي قبلهَا قحط شَدِيد ووباء عَظِيم جدا هلك فِيهِ عَالم كَبِير بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُم وَلَا من أنعامهم إِلَّا أقل من الْقَلِيل. وَكَانَ بِبِلَاد الْحَبَشَة بلَاء لَا يُمكن وَصفه وَذَلِكَ أَنا أدركنا ملكهَا دَاوُد بن سيف أرعد بن قسطنطين - وَيُقَال لَهُ الحطي - ملك أمحرة وَهُوَ وهم نصاري يعقوبية. فَلَمَّا مَاتَ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة قَامَ من بعده ابْنه تدرس بن دَاوُد فَلم تطل مدَّته وَمَات. فَملك بعده أَخُوهُ أبرم وَيُقَال لَهُ إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد وفخم أمره وَذَلِكَ أَن بعض مماليك الْأَمِير بزلار نَائِب الشَّام ترقى فِي الخدم وَعرف بألطنبغا مغرق حَتَّى بَاشر ولَايَة قوص من بِلَاد الصَّعِيد ثمَّ فر إِلَى الْحَبَشَة واتصل بالحطي هَذَا وَعلم أَتْبَاعه لعب الرمْح وَرمي النشاب وَغير ذَلِك من أدوات الحروب ثمَّ لحق بالحطي أَيْضا بعض المماليك الجراكسة - وَكَانَ زرد كاشا - فعل لَهُ زرد خاناه ملوكية وَتوجه إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك رجل من كتاب مصر الأقباط النَّصَارَى - يُقَال لَهُ فَخر الدولة - فرتب لَهُ مَمْلَكَته وجبى الْأَمْوَال وجند لَهُ الْجنُود حَتَّى كثر ترفه بِحَيْثُ أَخْبرنِي من شَاهده وَقد ركب فِي موكب جليل وَفِي يَده صَلِيب من ياقوت أَحْمَر وَقد قبض عَلَيْهِ وَوضع يَده على فَخذه فَصَارَ يبين وَيظْهر لهَذَا الصَّلِيب الْيَاقُوت طرفان كبيران من قَبضته فشرهت نَفسه إِلَى أَخذ ممالك الْإِسْلَام لِكَثْرَة مَا وصف لَهُ هَؤُلَاءِ من محاسنها فَبعث بالتوريزي التَّاجِر ليدعو الفرنج للْقِيَام مَعَه وأوقع فِي بِمن مَمْلَكَته من الْمُسلمين فَقتل مِنْهُم وَأسر وَسبي عَالما عَظِيما. وَكَانَ مِمَّن أسر منصوراً ومحمداً ولدى سعد الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد عَليّ بن ولصمع الجبرتي - ملك الْمُسلمين بِالْحَبَشَةِ فعاجله الله بنقمته وَهلك فِي شهر ذِي الْقعدَة فأقيم بعده ابْنه اندراس بن إِسْحَاق فَهَلَك لأربعة أشهر فأقيم بعده عَمه حزبناي بن دَاوُد بن سيف أرعد فَهَلَك فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ فأقيم بعده
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute