السِّيرَة بِحَيْثُ أَنه أخرج جَمِيع من بِبَغْدَاد من النَّاس بعيالاتهم وَأخذ كل مَالهم من جليل وحقير فتشتتوا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ فِي نواحي الدُّنْيَا وَصَارَت بَغْدَاد وَلَيْسَ بهَا سوى ألف رجل من جند أَصْبَهَان لَا غير. وَلَيْسَ بهَا إِلَّا ثَلَاثَة أفران تخبز الْخبز فَقَط وَلم يبْق بهَا سكان وَلَا أسواق. وَأَنه أخرب الْموصل حَتَّى صَارَت يبابا فَإِنَّهُ سلب نعم أَهلهَا وَأمر بهم فأخرجوا وتمزقوا فِي الْبِلَاد. واستولت عَلَيْهَا العربان فَصَارَت الْموصل منَازِل الْعَرَب بعد التمدن الَّذِي بلغ الْغَايَة فِي الترف. وَأَنه أَخذ أَمْوَال أهل المشهد وأزال نعمهم فتشتتوا بعيالهم. وَصَارَ من أهل هَذِه الْبِلَاد إِلَى الشَّام ومصر خلائق لَا تعد وَلَا تحصى. وَفِيه قدم جُنَيْد - أحد أُمَرَاء أخورية - وَقد توجه إِلَى أبي فَارس عبد الْعَزِيز ملك الْمغرب وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان بِمَنْع التُّجَّار من حمل الثِّيَاب المغربية المحشاة بالحرير من ملابس النِّسَاء وَأَن يلْزمهُم بقود الْخُيُول بدل ذَلِك. فَوَجَدَهُ مُتَوَجها من بجاية إِلَى فاس فَأكْرمه ونادى بذلك فِي عمله وَأجَاب عَن الْكتاب. وَبعث بهدية هِيَ ثَلَاثُونَ فرسا مِنْهَا خَمْسَة مسرجة ملجمة وَنَحْو مِائَتَيْنِ وَخمسين بَعِيرًا وَقدم صُحْبَة جُنَيْد ركب فِي نَحْو ألف بعير يُرِيدُونَ الْحَج. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشرينه: كسفت الشَّمْس فِي آخر السَّاعَة الرَّابِعَة فَتغير لَوْنهَا تغيراً يَسِيرا وَلم يشْعر بهَا أَكثر النَّاس وَلَا اجْتَمعُوا للصَّلَاة بالجوامع على الْعَادة لقلَّة الشُّعُور بذلك. ثمَّ انجلى الْكُسُوف سَرِيعا. وَكَانَ بعض من يزْعم علم النُّجُوم لقلَّة درايته وَكَثْرَة جرأته قد أرجف قبل ذَلِك بأيام وشنع بِأَمْر الْكُسُوف وَمَا يدل عَلَيْهِ حَتَّى اشْتهر إرجافه وتشنيعه وداخل بعض النَّاس الْوَهم. فَلَمَّا لم يكن من أَمر الْكُسُوف كَبِير شَيْء طلب السُّلْطَان طَائِفَة مِمَّن يتحل هَذَا الْفَنّ من أهل التَّقْوِيم وَأنكر عَلَيْهِم وهددهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قطعت أَيْضا عدَّة مرتبات للنَّاس من ديوَان السُّلْطَان مَا بَين عليق لخيولهم ومبلغ دَرَاهِم فِي كل شهر. وفيهَا ارْتَفع سعر الغلال قَلِيلا فَكَانَ الْقَمْح من مائَة وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا فَبلغ مائَة وَسبعين مَعَ كثرته لزكاة الغلال وَقت الدراس ورخاء بِلَاد الشَّام والحجاز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute