الْأَوْقَاف ومنادمة السُّلْطَان فَنزل فِي موكب حليل وَقد لبس الْعِمَامَة المدورة والفرجية هَيْئَة أَرْبَاب الأقلام فسر النَّاس بِهِ وَكَانَ من خَبره أَنه نشاً من صغره بزى الأجناد وبرع فِي الْحساب وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَصَارَ أحد الْحجاب فِي الْأَيَّام الناصرية فرج بن برقوق. وتقلب مَعَ وَالِده فِي مُبَاشرَة نظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص والوزارة. وشكرت مُبَاشَرَته لذَلِك. مِمَّا طبع عَلَيْهِ من لين الْجَانِب وَطيب الْكَلَام وبشاشة الْوَجْه وَحسن السياسة فَصَارَ فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ من جلة الْأُمَرَاء وَولى أستادارية السُّلْطَان فى الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة ططر وَملك الْأُمَرَاء. ثمَّ عزل عَن ذَلِك وأعيد إِلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى وَكَانَ مَا كَانَ من مصادرته ومصادرة وَالِده الصاحب بدر الدّين على مَال كَبِير أَخذ مِنْهُمَا حَتَّى ذهب مَالهمَا إِلَّا أَنه لم يمسهما بِحَمْد الله سوء وَلَا أهينا فلزما دارهما عدَّة سِنِين. ثمَّ شَبه لَهما الإقبال فولى الْحِسْبَة ومازال يترقى حَتَّى عينه السُّلْطَان لمنادمته بعد ابْن قَاسم بن المحلاوى وَصَارَ يبيت عِنْده وشكرت خصاله وَلم يسْلك من الطمع وَأخذ الْأَمْوَال من النَّاس مَا سلكه غَيره بل عف وكف وَأفضل وَزَاد فِي الأفضال إِلَى أَن سعى بعض النَّاس فِي كِتَابَة السِّرّ بِمَال كَبِير جدا وأرجف بولايته فَاقْتضى رأى السُّلْطَان ولَايَة الْأَمِير صَلَاح الدّين وَعرض عَلَيْهِ ذَلِك لَيْلًا وَهُوَ مُقيم عِنْده على عَادَته فاستعفى من ذَلِك فَلم يعفه وصمم عَلَيْهِ ورسم بتجهيز التشريف لَهُ ثمَّ أصبح فَخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على مَا بِيَدِهِ. وإستمر بِهِ فِي منادمته وَالْمَبِيت عِنْده فضبط أمره وَصَارَ يكْتب الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة بِخَطِّهِ بَين يدى السُّلْطَان لما هُوَ عَلَيْهِ من قُوَّة الْكِتَابَة وجودتها وَمَعْرِفَة المصطلح والدربة بمعاشرة الْمُلُوك وتدبير الدول ومقالبة الْأَحْوَال. فتميز بذلك عَمَّن تقدمه من كتاب السِّرّ بعد ابْن فضل الله فَإِنَّهُم مُنْذُ عهد فتح الله صَارَت الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة إِنَّمَا يتَوَلَّى كتَابَتهَا الموقعونْ بإملاء كَاتب السِّرّ حَتَّى بَاشر هُوَ فاستبد بِالْكِتَابَةِ وحجب كل أحد عَن الِاطِّلَاع على أَحْوَال المملكة بِحسن سياسته وَتَمام مَعْرفَته. . وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي هَذِه السّنة: شنع الْموَات بصعدة وَصَنْعَاء من بِلَاد الْيمن بِحَيْثُ ورد إِلَى مَكَّة كتاب موثوق بِهِ أَنه مَاتَ بصعدة وَصَنْعَاء وأعمالهما زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف إِنْسَان. وفيهَا أَيْضا وَقع الوباء بنواحى ديار بكر وآمد وَملك الديار فَمَاتَ مِنْهَا بشر كثير. وفيهَا كَانَت حروب بِبِلَاد الرّوم وديار بكر وَمَا يَليهَا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute