يقبلُونَ الأَرْض وَمِنْهُم من يقبل رجل السُّلْطَان ويضرعون إِلَيْهِ فِي الْعَفو فَلم يقبل وَبعث وَاحِدًا بعد أخر يستعجل الوالى فِي توسيطهما وَهُوَ يتباطاً رَجَاء أَن يَقع الْعَفو عَنْهُمَا. فَلَمَّا طَال الْأَمر بعث السُّلْطَان من أَشد أعوانه من يحضر توسيطهما فَخرج وَأَغْلظ للوالى فِي القَوْل. فَقدم لعفيف فاستسلم وَثَبت حَتَّى وسط قطعتين بِالسَّيْفِ. وَقدم خضر فجزع جزعا شَدِيدا ودافع عَن نَفسه وَصَاح فتكاثروا عَلَيْهِ فوسطوه توسيطًا شنيعا لتلويه وإضطرابه. ثمَّ حملا إِلَى أهليهما بِالْقَاهِرَةِ. فسَاء النَّاس ذَلِك ونفرت قُلُوبهم من السُّلْطَان وَكَثُرت قالتهم فَكَانَت حَادِثَة لم ندرك مثلهَا. وَمن حِينَئِذٍ تزايد الْبلَاء بالسلطان إِلَى يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه فاستدعى السُّلْطَان الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى الأتابك وَمن تَأَخّر من الْأُمَرَاء المقدميِن وَقَالَ لَهُم: انْظُرُوا فِي أَمركُم وخوفهم مِمَّا جرى بعد الْمُؤَيد شيخ من الإختلاف وإ تلاف أمرائه فطال الْكَلَام وإنفضوا عَنهُ على غير شىء عقدوه وَلَا أمرا أبرموه. شهر ذى الْقعدَة أهل بِيَوْم السبت: وَالنَّاس فِي أَنْوَاع من الْبلَاء الذى لم نعهد مثله مجتمعًا وَهُوَ أَن السُّلْطَان تزايدت أمراضه وأرجف بِمَوْتِهِ غير مرّة وشنع الْمَوْت فِي مماليكه سكان الطباق حَتَّى لقد مَاتَ مِنْهُم فِي هَذَا الوباء نَحْو آلَاف. وَمَات من الخدام الخصيان مائَة وَسِتُّونَ طواشي وَمَات من الجوارى بدار السُّلْطَان زياده على مائَة وَسِتِّينَ جَارِيَة سوى سبع عشرَة حظية وَسَبْعَة عشر ولدا ذُكُورا وإناثًا. وَشَمل عَامَّة دور الْقَاهِرَة ومصر وَمَا بَينهمَا الْمَوْت أَو الْمَرَض وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام من الْفُرَات إِلَى غَزَّة حَتَّى أَن قفلًا توجه من الْقَاهِرَة يُرِيد دمشق فَمَا نزل بالعريش حَتَّى مَاتَ مِمَّن كَانَ سائرًا فِيهِ زِيَادَة على سبعين إنْسَانا مِنْهُم عدَّة من معارفنا. وَمَعَ هَذَا كساد المبيعات وتعطل الْأَسْوَاق إِلَّا من بيع الأكفان وَمَا لابد للموتى مِنْهُ كالقطن وَنَحْوه إِلَّا أَنه مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر أخذت عدَّة الْأَمْوَات تتناقص فِي كل يَوْم. وَفِي أَوله: وصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَدِينَة أبلستين. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: عهد السُّلْطَان إِلَى وَلَده الْمقَام الجمالى يُوسُف وَذَلِكَ أَنه لما تزايد بِهِ الْمَرَض حدث عَظِيم الدولة القاضى زين الدّين عبد الباسط الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فِي أَمر الْمقَام الجمالى وَأَشَارَ لَهُ أَن يفاوض السُّلْطَان فِي وَقت خلوته بِهِ أَن يعْهَد إِلَيْهِ بالسلطة من بعد وَفَاته وَيحسن لَهُ ذَلِك فإتفق أَن السُّلْطَان أَمر الْأَمِير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute