للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإصطبل ويستعد بِالسِّلَاحِ والرحال وَنزل الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة. فَمَال النَّاس بأجعهم من الْأُمَرَاء والقضاة والمباشرين إِلَى جِهَته وترددوا إِلَى مَجْلِسه وتلاشى أَمر السُّلْطَان وَأخذ فِي الإنحلال. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه وسادس عشرى مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح فِيهِ الخليج على الْعَادة وَقد نزل لذَلِك الْأَمِير أسنبغا الطيارى الْحَاجِب. وَكَانَ النَّاس لما أَبْطَأَ عَلَيْهِم الْوَفَاء أخذُوا فِي شِرَاء الغلال فإرتفع سعرها قَلِيلا. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خامسه: قدم الْأُمَرَاء المجردون مَا عدا الْأَمِير سودون خجا فَصَعدَ مِنْهُم سِتَّة أُمَرَاء إِلَى الحراقة بِبَاب السلسلة وَتَأَخر مِنْهُم الْأَمِير يشبك حَاجِب الْحجاب فَإِنَّهُ قدم لَيْلًا فِي محفة وَنزل دَاره وَهُوَ موعوك الْبدن. وَكَانَ قد كتب إِلَيْهِم الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق. مِمَّا قَصده الأشرفية من الْقَبْض على الْأُمَرَاء وحذرهم مِنْهُم فَدَخَلُوا مستعدين بأطلابهم وَلم تجر بذلك عَادَة وَكَانَ الْأَمِير نظام الْملك قد ألزم السُّلْطَان أَن يقْعد لِلْأُمَرَاءِ القادمين فِي شباك الْقصر المطل على الإصطبل فَلم يجد بدا من جُلُوسه لِأَنَّهُ سلب جَمِيع تعلقات السلطة حَتَّى لم يبْق لَهُ سوى مُجَرّد الِاسْم وَبَطل عمل الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ وَصَارَت عِنْد الْأَمِير نظام الْملك. فَلَمَّا قدم الْأُمَرَاء من التجويدة بأطلابهم وطبولهم تدق حَرْبِيّا صعدوا من بَاب السلسلة حَتَّى نزلُوا عَن خيولهم على درج الحراقة وأطلابهم واقفة. فَقَامَ الْأَمِير نظام الْملك يسْعَى مهرولاً إِلَيْهِم وَهُوَ فِي جمع كَبِير جدا من الْأُمَرَاء والمماليك حَتَّى سلم عَلَيْهِم وهم وقُوف على أَرجُلهم وَسَار بهم يُرِيد الإصطبل السلطاني. وَقد جلس السُّلْطَان فِي شباك الْقصر فوقفوا على بعد من مَوْضِعه وأومأوا برءوسهم كَأَنَّهُمْ يقبلُونَ الأَرْض فَفِي الْحَال أحضرت التشاريف فألبسوها وأمأوا ثَانِيًا برؤوسهم عوضا عَن تَقْبِيل الأَرْض. وقدمت إِلَيْهِم الْخُيُول الَّتِي أخرجت من الإصطبل بالقماش الذَّهَب فأومأوا برؤوسهم مرّة ثَالِثَة وولوا رَاجِعين بِلَا زِيَادَة على ذَلِك. وَقد رَجَعَ مَعَهم الْأَمِير نظام الْملك حَتَّى صعدوا مَعَه إِلَى الحراقة فَسَلمُوا عَلَيْهِ خدمَة لَهُ ثمَّ ركبُوا الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة بتشاريفهم ومضوا نَحْو دُورهمْ. فإزداد الْأَمِير نظام الْملك بِهَذَا المحفل عزا إِلَى عزه وَكَثُرت مهابته وتضاعفت فِي الْقُلُوب مكانته وحرمته. وتلاشى أَمر السُّلْطَان وَظهر إنحلال أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>