وَكَانَ يحب الْعِمَارَة ويباشر الْأَبْنِيَة بِنَفسِهِ وَعمر بِمصْر مَا لم يعمره أحد من مُلُوك بني أَيُّوب: فَأَنْشَأَ قلعة الرَّوْضَة تجاه مَدِينَة فسطاط مصر وَأنْفق فِيهَا أَمْوَالًا جمة وَهدم كَنِيسَة كَانَت هُنَاكَ لليعاقبة من النَّصَارَى وأسكن بِهَذِهِ القلعة ألف مَمْلُوك من التّرْك - وَقيل ثَمَانمِائَة - سماهم البحرية وَكَانَ المَاء حِينَئِذٍ لَا يُحِيط بهَا. فَلم يزل يغرق السفن وَيَرْمِي الْحِجَارَة فِيمَا بَين الجيزة وَالرَّوْضَة إِلَى أَن صَار المَاء فِي طول السّنة محيطاً الرَّوْضَة وَأقَام جِسْرًا من مصر إِلَى الرَّوْضَة يمر عَلَيْهِ الْأُمَرَاء. وَغَيرهم إِذا جَاءُوا إِلَى الْخدمَة وَلم يكن أحد يمر على هَذَا الجسر رَاكِبًا احتراماً للسُّلْطَان فَجَاءَت هَذِه القلعة من أجل مباني الْمُلُوك وَبني أَيْضا على النّيل بِنَاحِيَة اللوق قصوراً بلغت الْغَايَة فِي الْحسن جعلهَا إِلَى جَانب ميدانه الَّذِي يلْعَب فِيهِ بالكرة وَكَانَ مغرم بلعبها وَبني قصراً عَظِيما فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر سَمَّاهُ الْكَبْش على الْجَبَل بجوار جَامع ابْن طولون. وَبني قصراً بِالْقربِ من العلاقمة فِي أَرض السانح وَجعل حوله مَدِينَة سَمَّاهَا الصالحية فِيهَا جَامع وسوق لتَكون مركزاً للعساكر بِأول الرمل الَّذِي بَين الشَّام ومصر. وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الْملك المغيث فتح الدّين عمر وَهُوَ أكبر أَوْلَاده مَاتَ فِي سجن قلعة دمشق وَالْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه وَملك مصر بعده وَالْملك القاهر وَمَات فِي حَيَاته أَيْضا وَولد لَهُ أَيْضا من شجر الدّرّ ولد سَمَّاهُ خَلِيلًا مَاتَ صَغِيرا. وَلما طَال مَرضه من الْجراحَة الناصورية - وَفَسَد مخرجه وامتد الْجرْح إِلَى فَخذه الْيَمين وَأكل جِسْمه - اجْتهد فِي مداواتها وَحدث لَهُ مرض السل من غير أَن يفْطن بِهِ. فورد كِتَابه إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ بِالْقَاهِرَةِ: إِن الْجراحَة قد صلحت وجفت رطوباتها وَلم يبْق إِلَّا ركوبي ولعبي بالصولجة فتأخذ حظك من هَذِه الْبُشْرَى. وَفِي الْحَقِيقَة لم تَجف الْجراحَة إِلَّا لفراغ الْموَاد وتزايد عَلَيْهِ بعد ذَلِك الْمَرَض حَتَّى مَاتَ. وَقيل إِنَّه لم يعْهَد إِلَى أحد بِالْملكِ بل قَالَ للأمير حسام الدّين بن أبي عَليّ: إِذا مت لَا تسلم الْبِلَاد إِلَّا للخليفة المستعصم بِاللَّه ليرى فِيهَا رَأْيه فَإِنَّهُ كَانَ يعرف مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute