وَإِنَّهُم قد حفظوا محاوض الْفُرَات ونزلوا عَلَيْهَا ليعوقوا من يصل إِلَيْهِم. فَجهز السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين الْحِمصِي بعدة من عَسْكَر مصر وَالشَّام إِلَى جِهَة حارم وجهز الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الرزبري فِي جمَاعَة ورحل هُوَ من ظَاهر دمشق فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ مراكب مفصلة مَحْمُولَة. وجد للسُّلْطَان فِي الْمسير حق وصل إِلَى الْفُرَات فَوجدَ التتار على الشط فَألْقى المراكب الَّتِي حملهَا مَعَه فِي الْفُرَات وأشحنها بالمقاتلة فتراموهم والتتار. واقتحم الْأَمِير قلاوون الألفي الصَّالِحِي الْفُرَات فَخَاضَ وَمَعَهُ عدَّة وافرة وصدم التتار صدمة فرقهم بهَا ومزقهم فَأَلْقَت الأطلاب أَنْفسهَا فِي الْفُرَات وَسَاقُوا فِيهَا عوما الْفَارِس إِلَى جَانب الْفَارِس وهم متماسكون بالأعنة ومجاديفهم ورماحهم وَعَلَيْهِم وعَلى خيولهم الْحَدِيد وازدحموا فِي المَاء فَكَانَ لقعقعة السِّلَاح وأمواج المَاء هول مفزع وطلع السُّلْطَان فِي أَوَّلهمْ وَصلي فِي منزلَة الْعَدو رَكْعَتَيْنِ شكرا لله تعالي وَبث العساكر يَمِينا وَشمَالًا فَقتلُوا وأسروا عددا كثيرا. وَبَات الْعَسْكَر لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ فورد الْخَبَر بهزيمة التتار من البيرة مَعَ مقدمهم درباي وتركهم الأثقال والأزواد وَأَن أهل البيرة أخذُوا ذَلِك فَتَقووْا بِهِ وَأقَام السُّلْطَان ينْتَظر من يلاقيه من التتار فَلم يَأْتِ أحد فعدي بِجَمِيعِ عساكره فِي الْفُرَات كَمَا فعلوا أول مرّة وَنزل بهم فِي ذَلِك مَا لَا يُوصف من كَثْرَة الْمَشَقَّة وَعظم الهول حَتَّى طلعت العساكر إِلَى الْبر وَسَار السُّلْطَان إِلَى البيرة وخلع على نائبها وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار وَعم بالتشاريف والأنعام أهل البيرة وَفرق فيهم مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وجرد هُنَاكَ عدَّة من الْعَسْكَر زِيَادَة على من كَانَ فِيهَا وَسَار إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي ثَالِث جُمَادَى الآخر والأسري بَين يَدَيْهِ. وَخرج السُّلْطَان إِلَى مصر فوصل قلعة الْجَبَل فِي خَامِس عشريه وَأَفْرج عَن الْأَمِير عز الدّين الدمياطي وأنزله بدار الوزارة وَأجْرِي عَلَيْهِ الرَّوَاتِب ثمَّ استدعاه وَشرب مَعَه القمز وَقد حضر أكَابِر الْأُمَرَاء لذَلِك فَلَمَّا نَاوَلَهُ السُّلْطَان الهناب بِيَدِهِ وَهُوَ مَمْلُوء قَالَ عز الدّين: يَا خوند لقد شبنا وشاب نبيذنا. وَعم السُّلْطَان بِالْخلْعِ الْأُمَرَاء والوزراء والقضاة والمقدمين وجهز رسل الْملك منكوتمر ورسل الْملك الأشكري ورسل الدعْوَة وَفِي ثَانِي عشر شَوَّال: قبض على الشَّيْخ خضر بن أبي بكر بن مُوسَى شيخ السُّلْطَان وَكَانَ السُّلْطَان قد استدعاه إِلَى القلعة وأحضر جمَاعَة ليحاققوه على أَشْيَاء كَبِيرَة بَدَت مِنْهُ كاللواط وَالزِّنَا وَغَيره فَأمر السُّلْطَان باعتقاله وسجن بقلعة الْجَبَل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute