ابْن جمَاعَة خطيب الْقُدس، ليلى الْقَضَاء بِمصْر وَكَانَ السَّبَب فِي طلبه أَن ابْن بنت الْأَعَز لما عزل استدعى السُّلْطَان أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِمصْر والقاهرة، وَجعل كل وَاحِد فِي مَكَان فَلم يعلم وَاحِد مِنْهُم بالبقية، وأحضرهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَهُ عَن الْجَمَاعَة من يصلح فيهم لولاية الْقَضَاء، فَمَا مِنْهُم إِلَّا من أَسَاءَ القَوْل فِي أَصْحَابه ورماه بِمَا لَا يَلِيق، فانصرفوا وَقد انكف السُّلْطَان عَن ولايتهم، وَأعلم وَزِير ابْن السلعوس بِمَا قَالَ بَعضهم فِي حق بعض من الْفُحْش، فَأَشَارَ السلعوس عَلَيْهِ بِولَايَة ابْن جمَاعَة خطيب الْقُدس لصحبة تقدّمت لَهُ مَعَه، فوصل إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره، وَأفْطر عِنْد الْوَزير، وَبَالغ الْوَزير فِي خدمته، وَسَار فِي موكبه يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره إِلَى القلعة، وَدخل بِهِ على السُّلْطَان، فعزل ابْن بنت الْأَعَز، وَولى ابْن جمَاعَة قضا الْقُضَاة، وفوض إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وخطابة الْجَامِع الْأَزْهَر، فكتم ابْن جمَاعَة الْولَايَة، وَأفْطر لَيْلَة الْجُمُعَة عِنْد الْوَزير، فَصَارَ يخاطبه بقاضي الْقُضَاة، وأعلن بعزل ابْن بنت الْأَعَز، فهنأ النَّاس ابْن جمَاعَة، وعندما خرج ابْن جمَاعَة من دَار الْوَزير الأَصْل إِلَيْهِ التَّقْلِيد مَعَ ابْن عز الدّين الْحَنْبَلِيّ، فَلَمَّا أصبح يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره لبس الخلعة، وَمَشى الشُّهُود فِي خدمته، فَركب بالخلعة إِلَى دَار الْوَزير وخدمه، ثمَّ سَار إِلَى منزله، وَركب إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر بالخلعة، فَخَطب وَصلى بِالنَّاسِ وَعَاد إِلَى منزله، ثمَّ تحول إِلَى الصالحية يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه، ودرس بالصالحية فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرى شَوَّال، وَكَانَ درساً حفلاً يَوْمًا مشهوداً. وَأما ابْن بنت الْأَعَز، فَإِن الْأَمِير علم الدّين سنجر الشجاعي دخل بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَقرر مَعَه أَن يوليه قَضَاء الشَّام، فَلَمَّا شعر بذلك ابْن السلعوس خشى أَن يبْقى لَهُ حَاله فيتمكن بهَا فِي الدولة، فرتب لَهُ عدَّة من النَّاس ليثوروا بِهِ. فَلَمَّا جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل رسم لِابْنِ السلعوس أَن يُجهز ابْن بنت الْأَعَز قَاضِيا بِدِمَشْق، وَيَعْنِي بتشريفه وَيكْتب تَقْلِيده، فَمَا انْفَصل مجْلِس دَار الْعدْل حَتَّى أحضر الشريف ابْن ثَعْلَب وَادّعى على ابْن بنت الْأَعَز بِمَا قَرَّرَهُ مَعَه الْوَزير ابْن السلعوس قبل ذَلِك، وَكَانَ قد جهز آخر إِلَى أَن يُفْتى بتعزيره، وَآخر ليشهد بِفِسْقِهِ. فَانْتدبَ السُّلْطَان لمرافعته جمَاعَة، ورموه بعظائم بغياً مِنْهُم وعدواناً: مِنْهَا أَنه يشد الزنار من تَحت ثِيَابه، وَأَنه نَصْرَانِيّ وَمَا زَالَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute