للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

السُّلْطَان فَإِنَّهُ أَمر بذلك. فَأخذ بكتوت السِّلَاح وَتوجه بِهِ إِلَى الْخدمَة ووقف لاجين حَيْثُ كَانَ بكتوت وَاقِفًا. فَلَمَّا جَاءَ بكتوت وجد الْأَشْرَف على فرسه وَقد جعل طرف عصاة مقرعته تَحت جَبهته واتكأ بِرَأْسِهِ عَلَيْهَا وَهِي ثَابِتَة بحذاء سَرْجه وَكَأَنَّهُ فِي غيبَة من شدَّة الْفِكر. ثمَّ الْتفت الْأَشْرَف وَقَالَ: يَا بكتوت وَالله لقد الْتفت فَرَأَيْت لاجين خَلْفي وَهُوَ يحمل السِّلَاح وَالسيف فِي يَده فتخيلت أَنه يضربني بِهِ فَنَظَرت إِلَيْهِ وَقلت يَا شقير أعْط السِّلَاح لبكتوت يحملهُ وقف أَنْت مَكَانَهُ. فَقَالَ بكتوت: أعيذ مَوْلَانَا السُّلْطَان بِاللَّه أَن يخْطر هَذَا بِبَالِهِ ولاجين أقل من هَذَا وأضعف نفسا أَن يَقع هَذَا بِبَالِهِ فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهِ. وَهُوَ مَمْلُوك السُّلْطَان ومملوك مَوْلَانَا السُّلْطَان الشَّهِيد وتربية بَيته الشريف. فَقَالَ الْأَشْرَف: وَالله مَا عرفتك إِلَّا مَا خطر لي وتصورته. قَالَ بكتوت: فَخَشِيت على لاجين كَون السُّلْطَان تخيل هَذَا فِيهِ وَأَرَدْت نصحه فَقلت لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة: بِاللَّه تجنب السُّلْطَان وَلَا تكْثر حمل السِّلَاح وَلَا تنفرد مَعَه وأخبرته الْخَبَر فَضَحِك ضحكا كثيرا وتعجب. فَقلت: وَالله هَذَا يبكي مِنْهُ فَقَالَ: مَا ضحكي إِلَّا من إحساسه. وَالله لما نظر إِلَى وَقَالَ يَا شقير كنت على عزم من تَجْرِيد سَيْفه وَقَتله بِهِ. قَالَ بكتوت: فَعجب من ذَلِك غَايَة الْعجب وَمن الْعجب أَيْضا أَن الضَّرْب الَّذِي كَانَ فِي الْملك الْأَشْرَف عِنْد قَتله وجد مثله سَوَاء فِي لاجين لما قتل. وَكَانَ لاجين فِي سلطنته كثيرا مَا يقف إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي ويكشف رَأسه وَيسْأل أَن يمد فِي عمره حَتَّى يلقِي غازان ثمَّ يَقُول: لَكِن أَنا خَائِف أَن يدركني الْأَجَل قبل لِقَائِه فَكَانَ كَذَلِك. وَكَانَ فِي شبابه منهمكا على الْخمر حَتَّى صَار وَهُوَ بِدِمَشْق يعاقر أَعْيَان أَهلهَا وينعم فِي مجَالِس اللَّهْو عَلَيْهِم بِحَيْثُ لما أفرط فِي اللَّهْو قَالَ الشجاعي للْملك الْمَنْصُور قلاوون إِنَّه قد أبخس حُرْمَة السُّلْطَان بمعاشرته عَامَّة دمشق وانهماكه فِي الشّرْب. فَبعث إِلَيْهِ قلاوون على لِسَان الْأَمِير طرناي نَائِب السلطنة ينهاه ويهدده وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا بذلك. وَكَانَ ألاجين كثير الْحَرَكَة بِحَيْثُ يغيب فِي الصَّيْد الشَّهْر والشهرين وَمَعَهُ أَرْبَاب الملاهي فَلَمَّا تسلطن أعرض عَن اللَّهْو وَسَار أحسن سيرة من الْعدْل

<<  <  ج: ص:  >  >>