فَإِذا بالدهليز عَمُود رُخَام فَوْقه قَاعِدَة فجذبت سَيفي وَضربت رَأس العمود فألقيته ففار من العمود دم عَظِيم مَلأ الدهليز. فَعمى ابْن الْأنْصَارِيّ عَلَيْهِ وَقَالَ: قد انْقَطع الْكَلَام بِرُؤْيَة الدَّم خوفًا من شَره وَانْصَرف مُتَعَجِّبا من اتِّفَاق تَأْوِيل المنامين فَلَمَّا كَانَ بعد أحد عشر يَوْمًا من رؤياهما حضر إِلَيْهِ خَادِم بِوَرَقَة فِيهَا أَن امْرَأَة السُّلْطَان وَهِي ابْنة الْملك الظَّاهِر رَأَتْ السُّلْطَان جَالِسا وَإِذا بطائر كالعقاب انقض عَلَيْهِ واختطف فَخذه الْأَيْسَر وطار إِلَى أَعلَى الدَّار فَإِذا غراب قد أشرف على الدَّار وَصَاح كرجي ثَلَاث مَرَّات. فَقَالَ ابْن النصاري: هَذَا مَنَام لَا يُفَسر حَتَّى تمضى ثَلَاث جمع وَأَرَادَ بذلك الدّفع عَن نَفسه فَقتل لاجين فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة من هَذَا الْمَنَام وَبعث الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري وَرَاء ابْن الْأنْصَارِيّ واستحكاه عَن تَأْوِيل رُؤْيا لاجين فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا عِنْدَمَا قصها عَلَيْهِ ثمَّ قَامَ حَتَّى لَا يسمع تَأْوِيله. فَأخْبرهُ ابْن الْأنْصَارِيّ بِمَا قَالَه لَهُ وبمنامي منكوتمر وَامْرَأَة لاجين. فَقَالَ لَهُ الْأَمِير علم الدّين: لما قُمْت من عِنْد السُّلْطَان لاجين استدعاني وَأَخْبرنِي بِمَا قَالَ لَك وَقَالَ عرفت من الَّذِي طعنني بِالرُّمْحِ قلت لَا فَأَشَارَ إِلَى كرجي. ثمَّ استدعاني بعد أَيَّام وَذكر لي أَنه أعلم منكوتمر بِأَن خاطره ينفر من كرجي فَقَالَ لَهُ منكوتمر بحنق: وَالله لَا تَبْرَح تتهاون فِي أَمرك حَتَّى يَقْتُلُوك ويقتلوني وَتَمُوت مماليكك فِي الْحَبْس وَمَا لهَذَا القواد إِلَّا قَتله يَعْنِي كرجي وَحلف أَنه كلما رَأْي كرجي يود لَو ضربه بِسَيْفِهِ ونهض وَهُوَ مصمم على قَتله فحال الله بَينهمَا وَبَين كرجي حَتَّى أمضى فيهمَا على يَده مَا قدره من قَتلهمَا. وَذَلِكَ أَن الِاتِّفَاق كَانَ قد وَقع بَين السُّلْطَان وَبَين منكوتمر على مسك كرجي وطغجي وشاورشي فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَقت الْخدمَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ فَعرف منكوتمر ثقاته بذلك. وَاشْتَدَّ فكر السُّلْطَان واضطراب رَأْيه فِيمَا قَرَّرَهُ مَعَ منكوتمر فَتَارَة يعزم على إمضائه وَتارَة يرجع عَنهُ حَتَّى يرد عَلَيْهِ خبر الْأُمَرَاء المجردين وَهل قبض عَلَيْهِم أَو لَا. فَلَمَّا أصبح استدعى الْأَمِير سيف الدّين سلار أَمِير مجْلِس وَبَعثه إِلَى منكوتمر يَأْمُرهُ أَلا يفعل شَيْئا مِمَّا قَرَّرَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يعرفهُ فَإِنَّهُ خطر فِي نَفسه شَيْء أوجب تَأْخِيره فَلَمَّا ذكر سلار هَذَا لمنكوتمر ظن أَن السُّلْطَان أعلمهُ بِالْأَمر على وَجهه وَأخذ يُنكر على السُّلْطَان تَأْخِيره مَا اتفقَا عَلَيْهِ وَشرح لَهُ الْحَال كُله وَلم يَكْتُمهُ شَيْئا فسكن سلار من حنقه وَأعَاد الْجَواب على السُّلْطَان بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وكتم مَا أطلعه منكوتمر عَلَيْهِ وَمضى إِلَى كرجي وطغجي وَمن مَعَهُمَا وأعلمهم بِالْأَمر كُله فشمروا للحرب وَكَانَ مَا كَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute