وتكلما فِيمَا هم فِيهِ فاقتضي الرَّأْي تجهيز قَاصد للْملك النَّاصِر بتهديده ليفرج عَن أيتغلي. وبينما هم فِي ذَلِك قدم الْبَرِيد من عِنْد نَائِب دمشق باً ن الْملك النَّاصِر سَار من الكرك إِلَى البرج الْأَبْيَض وَلم يعرف مقْصده فَكتب إِلَيْهِ بالكشف عَن مقْصده وَحفظ الطرقات عَلَيْهِ. هَذَا وَقد اشْتهر بِالْقَاهِرَةِ حَرَكَة الْملك النَّاصِر وَخُرُوجه من الكرك فَتحَرك الْأَمِير سيف الدّين نوغاي القبجاقي - وَكَانَ شجاعاً مقداماً حاد المزاج قوي النَّفس وَمن ألزام الْأَمِير سلار النَّائِب - وواعده جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة أَن يهجم بهم على السُّلْطَان الْملك المظفر بيبرس إِذا ركب ويقتله. فَلَمَّا نزل إِلَى بركَة الْجب استجمع نوغاي بِمن وَافقه يُرِيدُونَ الفتك بالسلطان فِي عوده من الْبركَة وتقرب نوغاي من السُّلْطَان قَلِيلا قَلِيلا وَفد تغير وَجهه وَظهر فِيهِ أَمَارَات الشَّرّ فَفطن بِهِ خَواص السُّلْطَان وتحلقوا حوله فَلم يجد نوغاي سَبِيلا إِلَى مَا عزم عَلَيْهِ. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة فَعرفهُ ألزامه مَا فهموه عَن نوغاي وحسنوا لَهُ الْقَبْض عَلَيْهِ وَتَقْرِيره على من مَعَه. فاستدعى السُّلْطَان الْأَمِير سلار وأعلمه الْخَبَر - وَكَانَ قد بَاطِن نوغاي أَيْضا - فحذره من ذَلِك وخوفه عَاقِبَة الْأَخْذ بِالظَّنِّ وَأَن فِيهِ فَسَاد قُلُوب الْجَمِيع وَلَيْسَ إِلَّا الإغضاء فَقَط وَقَامَ عَنهُ فَأَخذه البرجية فِي الإغراء بسلار وَأَنه ولابد قد بَاطِن نوغاي وَمَتى لم يقبض عَلَيْهِ فسد الْحَال. فَبلغ نوغاي مَا هم فِيهِ من الحَدِيث فِي الْقَبْض عَلَيْهِ فواعد أَصْحَابه على اللحاق بِالْملكِ النَّاصِر وَخرج هُوَ والأمير عَلَاء الدّين مغلطاي القازاني والأمير سيف الدّين طقطاي الساقي وَنَحْو سِتِّينَ مَمْلُوكا وَقت الْمغرب عِنْد بَاب القلعة من لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة. وَعرف السُّلْطَان بذلك من الإسطبل فَفتح بَاب القلعة وَطلب الْأَمِير سلار وشاوره فَأَشَارَ بتجهيز الْأُمَرَاء فِي طَلَبهمْ وَعين أَخَاهُ عَلَاء الدّين سمك وقطز بن الفارقاني فِي عدَّة من حَاشِيَته وَخَمْسمِائة مَمْلُوك وَسَارُوا من وقتهم غير مجدين فِي طَلَبهمْ وَصَارَ بَين الْفَرِيقَيْنِ مرحلة وَاحِدَة إِذا رَحل هَؤُلَاءِ نزل هَؤُلَاءِ. فَلَمَّا وصل نوغاي إِلَى قطيا وجد الْحمل قد تجهز إِلَى الْقَاهِرَة وَهُوَ مبلغ عشْرين ألف دِرْهَم فَأَخذه وَأخذ خيل الْوَالِي وخيول الْعَرَب وَسَار إِلَى غَزَّة وَمضى إِلَى الكرك فَنزل الْأُمَرَاء بعده غَزَّة وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَقد اشْتَدَّ خوف الْملك المظفر وَكثر خياله فَقبض على جمَاعَة تزيد عدتهمْ على ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وَأخرج أخبارهم وأخباز المتوجهين إِلَى الكرك لمماليكه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute