وَفِي وَقت نُزُوله قدم مَمْلُوك قرا سنفر من حلب لكشف الْخَبَر وَذكر أَن قرا سنقر خرج من حلب وقبجق خرج من حماة فَخلع عَلَيْهِ وَكتب إِلَيْهِمَا بِسُرْعَة الْقدوم. وَكتب إِلَى الأفرام أَمَان وَتوجه بِهِ علم الدّين الجاولي. فَلم يَثِق بذلك وَطلب يَمِين السُّلْطَان لَهُ فَحلف السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ بنسخة الْحلف صُحْبَة الْأَمِير الْحَاج أرقطاي الجمدار فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى قدم مَعَه هُوَ وَابْن صبح فَركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه حَتَّى إِذا قرب مِنْهُ نزل كل مِنْهُمَا عَن فرسه. فاً عظم الأفرم نزُول السُّلْطَان لَهُ وَقبل الأَرْض وَكَانَ قد لبس كاملية وَشد وَسطه وتوشح بنصفية يَعْنِي أَنه حضر بهيئة البطال من الإمرة وكفنه تَحت إبطه وعندما شَاهده النَّاس على هَذِه الْحَالة صرخوا بِصَوْت وَاحِد: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان بتربة والدك الشَّهِيد لَا تؤذيه وَلَا تغير عَلَيْهِ فبكي سَائِر من حضر. وَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ وأركبه وَأقرهُ على نِيَابَة دمشق فَكثر الدُّعَاء لَهُ وَسَار النَّاصِر إِلَى الْقصر. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أحضر الأفرم خيلاً وجمالاً وثياباً بِمِائَتي ألف دِرْهَم تقدمة للسُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى: خطب بِدِمَشْق للْملك النَّاصِر وَصليت الْجُمُعَة بالميدان فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه قدم الْأَمِير قرا سنقر نَائِب حلب والأمير قبجق نَائِب حماة والأمير أسندمر كرجي نَائِب طرابلس وتمر الساقي نَائِب حمص. فَركب السُّلْطَان إِلَى لقائهم فِي ثامن عشرى وترحل لقرا سنقر وعانقه وشكر الْأُمَرَاء وَأثْنى عَلَيْهِم. ثمَّ قدم الْأَمِير كراي المنصوري من الْقُدس وبكتمر الجوكندار نَائِب صفد. وَقدم كل من النواب والأمراء تقدمه على قدر حَاله مَا بَين ثِيَاب أطلس وحوائص ذهب وكلفتاه زركش وخيول مسرجة وأصناف الْجَوَاهِر وَالْخلْع والأقبية والتشاريف. وَكَانَ أَجلهم تقدمة الْأَمِير قطلوبك المنصوري فَإِنَّهُ قدم عشرَة أرؤس خيل مسرجة ملجمة عنق كل فرس كيس فِيهِ ألف دِينَار وَعَلِيهِ مَمْلُوك وَأَرْبع قطر بغال وعدة بَخَاتِي وَغير ذَلِك. وَشرع الْملك النَّاصِر فِي النَّفَقَة على الْأُمَرَاء والعساكر الْوَارِدَة مَعَ النواب فَلَمَّا انْتهى أَمر النَّفَقَة قدم السُّلْطَان بَين يدية الْأَمِير كراي المنصوري على عَسْكَر ليسير إِلَى غَزَّة فَسَار إِلَيْهَا وَصَارَ كراي يمد فِي كل يَوْم سماطاً عَظِيما للمقيمين والواردين وَأنْفق فِي ذَلِك أَمْوَالًا جزيلة من حصاله. وَاجْتمعَ عَلَيْهِ بغزة عَالم كَبِير وَهُوَ يقوم بكلفهم ويعدهم عَن السُّلْطَان بِمَا يرضيهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute