فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس الَّذِي قبض فِيهِ على الْأُمَرَاء جلس بعض المماليك الأشرفية فَلَمَّا خرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة قَالَ أُولَئِكَ الأشرفية: وَأي ذَنْب لهَؤُلَاء الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم وَهَذَا الَّذِي قتل أستاذنا الْملك الْأَشْرَف وَدَمه إِلَى الْآن على سَيْفه مَا خرج أَثَره قد صَار الْيَوْم حَاكم المملكة - يَعْنِي قرا سنقر. فَنقل هَذَا لقرا سنقر فخاف على نَفسه وَأخذ فِي التعمل على الْخَلَاص من مصر وَالْتزم للسُّلْطَان أَنه يتَوَجَّه وَيحصل المظفر بيبرس هُوَ والحاج بهادر نَائِب طرابلس من غير إِخْرَاج التجريدة فَإِن فِي بعث الْأُمَرَاء لنلك شناعة فمشي ذَلِك على السُّلْطَان ورسم بسفرهما. فَخرج قرا سنقر هُوَ وَسَائِر النواب إِلَى ممالكهم فعوق السُّلْطَان أسندمر كرجي نَائِب حماة عَن السّفر وَسَار الْبَقِيَّة. ثمَّ جهز السُّلْطَان أسندمر كرجي لإحضار المظفر مُقَيّدا فاتفق دُخُول فرا سنقر والأمراء إِلَى غَزَّة قبل المظفر فَلَمَّا بَلغهُمْ قربه ركب قرا سنقر وَسَائِر النواب والأمراء ولقوة شَرْقي غَزَّة وَقد تقى مَعَه عمد من مماليكه وَقد تأهبوا للحرب فَلبس الْأُمَرَاء السِّلَاح ليقاتلوهم. فَأنْكر المظفر على مماليكه تأهبهم لِلْقِتَالِ وَقَالَ: أَنا كنت ملكا وحولي أضعافكم ولي عصبَة كَثِيرَة من الْأُمَرَاء وَمَا اخْتَرْت سفك الدِّمَاء وَمَا زَالَ حَتَّى كفوا عَن الْقِتَال وسَاق بِنَفسِهِ حَتَّى صَار مَعَ الْأُمَرَاء وَأسلم نَفسه إِلَيْهِم فَسَلمُوا عَلَيْهِ وَسَارُوا بِهِ إِلَى معسكرهم وأنزلوه بخيمة وأخفوا سلَاح مماليكه ووكلوا بهم من يحفظهم وَأَصْبحُوا من الْغَد عائدين بِهِ مَعَهم إِلَى مصر. فأدركهم أسندمر كرجي بالخطارة فَأنْزل فِي الْوَقْت المظفر عَن فرسه وَقَيده بِقَيْد أحضرهُ مَعَه فبكي وتحدرت دُمُوعه على شيبته. فشق ذَلِك على قرا سنقر وَألقى الكلفتاه عَن رَأسه إِلَى الأَرْض وَقَالَ: لعن الله! الدُّنْيَا فياليتنا متْنا وَلَا رَأينَا هَذَا الْيَوْم. فترجلت الْأُمَرَاء وأخفوا كلوثته ووضعوها على رَأسه. هَذَا مَعَ أَن قرا سنقر كَانَ أكبر الْأَسْبَاب فِي زَوَال دولة المظفر وَهُوَ الَّذِي حسن للْملك النَّاصِر حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. ثمَّ عَاد قراسنقر والحاج بهادر إِلَى جِهَة الشَّام وَأخذ بهادر يلوم قرا سنقر على مُخَالفَة رَأْيه فَإِنَّهُ كَانَ قد أَشَارَ على قراسنقر فِي اللَّيْل بعد الْقَبْض على المظفر بِأَن يخلي عَنهُ حَتَّى يصل إِلَى صهيون وَيتَوَجَّهُ كل مِنْهُمَا إِلَى مَحل ولَايَته ويخيفا النَّاصِر بِأَنَّهُ مَتى تغير عَمَّا كَانَ قد وَافق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ بِدِمَشْق قَامُوا بنصرة المظفر وإعادته إِلَى الْملك. فَلم يُوَافق قراسنقر على ذَلِك وَظن أَن الْملك النَّاصِر لَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَلَا على المظفر فَلَمَّا رأى مَا حل بالمظفر نَدم على مُخَالفَة بهادر. وبينما هما فِي ذَلِك إِذْ بعث أسندمر كرجي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute