قَالَ الله تَعَالَى أمرا لمُوسَى وَهَارُون حِين بعثهما إِلَى فِرْعَوْن {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} . فَقَالَ ابْن جمَاعَة للسُّلْطَان: " قد تجرأ وَلم تبْق إِلَّا مراحم مَوْلَانَا السُّلْطَان ". فانزعج السُّلْطَان انزعاجا عَظِيما، ونهض عَن الْكُرْسِيّ، وَقصد ضرب الْبكْرِيّ بِالسَّيْفِ، فَتقدم إِلَيْهِ طغاي وأرغون فِي بَقِيَّة الْأُمَرَاء، وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أمسك عَنهُ، وَأمر بِقطع لِسَانه، فَأخْرج الْبكْرِيّ إِلَى الرحبة، وَطرح إِلَى الأَرْض، والأمير طغاي يُشِير إِلَيْهِ أَن يستغيث، فَصَرَخَ الْبكْرِيّ وَقَالَ: " أَنا فِي جيرة رَسُول الله "، وكررها مرَارًا حَتَّى رق لَهُ الْأُمَرَاء، فَأَشَارَ إِلَيْهِم طغاي بالشفاعة فِيهِ، فنهضوا بأجمعهم وَمَا زَالُوا بالسلطان حَتَّى رسم بِإِطْلَاقِهِ وَخُرُوجه من مصر. وَأنكر الْأَمِير أيدمر الخطيري كَون الْبكْرِيّ قوى نَفسه أَولا فِي مُخَاطبَة السُّلْطَان، ثمَّ إِنَّه ذل بعد ذَلِك، وَنسب إِلَى أَنه لم يكن قِيَامه خَالِصا لله. وَفِيه قدم الركب من الْحجاز، وَقد كثرت الشكوى من الْأَمِير بلبان الشمسي أَمِير الرَّاكِب، وَأَنه كثير الطمع مفرط فِي أَمر الْحَاج سيء السِّيرَة، فَقبض عَلَيْهِ. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير برلغي صهر المظفر بيبرس. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَنَّهُ قد اجْتمع على النَّاس بواق كَثِيرَة من ضمانات ومقررات على أهل الْبِلَاد، وَقد تضرروا مِنْهَا. فَكتب مِثَال بمسامحة أهل الشَّام بالبواقي لاستقبال سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَإِلَى آخر سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة، وسير إِلَى دمشق فقرئ بهَا على مِنْبَر الْجَامِع فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم، وتلاه مِثَال آخر بِإِبْطَال الْمُقَرّر على السجون، وإعفاء الفلاحين من السخر، وَإِبْطَال مُقَرر الأقصاب، ومقرر ضَمَان القواسين، ورسوم الشد وَالْولَايَة. فَأبْطل ذَلِك كُله من جَمِيع ممالك الْبِلَاد الشامية بأسرها. وَفِيه كتب لنواب حلب وحماة وحمص وطرابلس وصفد بِأَن أحدا مِنْهُم لَا يُكَاتب السُّلْطَان، وَإِنَّمَا يُكَاتب الْأَمِير تنكر نَائِب الشَّام، وَيكون هُوَ الْمكَاتب فِي أَمرهم للسُّلْطَان. فشق ذَلِك على النواب، وَأخذ الْأَمِير سيف الدّين بلبان طرنا نَائِب صفد يُنكر ذَلِك، فكاتب فِيهِ تنكز السُّلْطَان حَتَّى عزل فِي صفر، وَاسْتقر عوضه الْأَمِير بلبان البدري، وَحمل طرنا فِي الْقَيْد إِلَى مصر، وسجن بالقلعة. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبعا الْحَاجِب فِي نِيَابَة حلب، بعد وَفَاة الْأَمِير سيف الدّين سودي فِي نصف رَجَب. وَقدم زين الدّين قراجا الخزنداري وَالْخَاص ترك من بِلَاد طقطاي، وأخبرا بِمَوْتِهِ، وَهُوَ طقطاي بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن جوجي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute