ثمَّ أَخذ السُّلْطَان فِي عرض طباق المماليك ووفر جوامك عدَّة مِنْهُم ورواتبهم وَأَعْطَاهُمْ الإقطاعات. وأفرد جِهَة قطيا للعاجزين من الأجناد وَقرر لكل ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فِي السّنة. وارتجع السُّلْطَان مَا كَانَت البرجية قد اشترته من أَرَاضِي الجيزة وَغَيرهَا وارتجع مَا كَانَ لبيبرس وبرلغي والجوكندار وَغَيرهم من المتاجر وأضاف ذَلِك للخاص. وَبَالغ السُّلْطَان فِي إِقَامَة أَيَّام الْعرض. وَعرف النَّائِب وأكابر الْأُمَرَاء أَنه من رد مِثَالا أَو تضرر أَو شكا ضرب وَحبس وَقطع خبزه وَأَن أحدا من الْأُمَرَاء لَا يتَكَلَّم مَعَ السُّلْطَان فِي أَمر جندي وَلَا مَمْلُوك فَلم يَجْسُر أحد أَن يُخَالف مَا رسم بِهِ. وَعين فِي هَذَا الْعرض أَكثر الأجناد فَإِنَّهُم أخذُوا إقطاعات دون الَّتِي كَانَت مَعَهم وَقصد الْأُمَرَاء التحدث فِي ذَلِك مَعَ السُّلْطَان والنائب أرغون ينهاهم عَنهُ. فَقدر الله أَن السُّلْطَان نزل إِلَى الْبركَة لصيد الكركي وَجلسَ فِي الْبُسْتَان المنصوري ليستريح فَدخل بعض المرقدارية - وَكَانَ يُقَال لَهُ عَزِيز - وَمن عاداته الْهزْل قُدَّام السُّلْطَان والمزح مَعَه فَأخذ يهزل على عَادَته قُدَّام السُّلْطَان والأمراء جُلُوس وَهُنَاكَ ساقية وَالسُّلْطَان ينظر إِلَيْهَا. فتمادى عَزِيز لشؤم بخته فِي الْهزْل إِلَى أَن قَالَ: وجدت جندي من جند الروك الناصري وَهُوَ رَاكب إكديش وخرجه ومخلاة فرسه وَرمحه على كتفه وَأَرَادَ أَن يتم الْكَلَام. فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان. وَصَاح فِي المماليك. عروه ثِيَابه فللحال خلعت عَنهُ الثِّيَاب وربط مَعَ قواديس الساقية وَضربت الأبقار حَتَّى أسرعت فِي الدوران وعزيز تَارَة ينغمر فِي المَاء وَتارَة يظْهر وَهُوَ يستغيث وَقد عاين الْمَوْت وَالسُّلْطَان يزْدَاد غَضبا. فَلم تجسر الْأُمَرَاء على الشَّفَاعَة فِيهِ حَتَّى مضى نَحْو ساعتين وَانْقطع حسه فَتقدم إِلَيْهِ الْأَمِير طغاي والأمير قطلوبغا الفخري وَقَالا: ياخوند! هَذَا الْمِسْكِين لم يرد إِلَّا أَن يضْحك السُّلْطَان ويطيب خاطره وَلم يرد غير ذَلِك وَمَا زَالا بِهِ حَتَّى أخرج الرجل وَقد أشفى على الْمَوْت ورسم بنفيه من أَرض مصر فَحَمدَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأُمَرَاء على سكوتهم وتركهم الشَّفَاعَة فِي تَغْيِير مثالات الأجناد وَفِي هده السّنة: ظهر بِبِلَاد الصَّعِيد فأر عَظِيم يخرج عَن الإحصاء بِحَيْثُ إِن مباشري نَاحيَة أم الْقُصُور من بِلَاد منفلوط قتلوا فِي أَيَّام قَلَائِل من الفأر مبلغ ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر أردباً ينقص ثلث أردب واعتبروا أردباً فجَاء عدَّة ثَمَانِيَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة فأر وكل ويبة ألف وَأَرْبَعمِائَة فأر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute