لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ، وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ» وَخَبَرُ «تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا» ضَعِيفٌ وَحِكْمَتُهُمَا مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمَاءِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ) مِنْ جَمْعِهِمَا لِخَبَرٍ فِيهِ (ثُمَّ) عَلَى هَذَا (الْأَصَحُّ) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنَّهُ (يَتَمَضْمَضُ بِغُرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا) حَتَّى لَا يَنْتَقِلَ عَنْ عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ طُهْرِهِ وَمُقَابِلُهُ ثَلَاثٌ لِكُلٍّ مُتَوَالِيَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ وَأَفَادَتْ ثُمَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا مُسْتَحَقٌّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا مُسْتَحَبٌّ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَمَتَى قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى مَحَلِّهِ كَأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ
ــ
[حاشية الشرواني]
الِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهِمَا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ إلَخْ) دَلِيلٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ ع ش وَسَمِّ.
(قَوْلُهُ: وَحِكْمَتُهُمَا) إلَخْ أَيْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَيْ حِكْمَةُ تَقْدِيمِهِمَا نِهَايَةٌ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالدَّمِيرِيِّ وَمِنْ فَوَائِدِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوَّلًا مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ، وَهِيَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ هَلْ تَغَيَّرَتْ أَوْ لَا اهـ زَادَ شَيْخُنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ شُرِعَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ لِلْأَكْلِ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ وَالْمَضْمَضَةُ لِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِشَمِّ رَوَائِحِ الْجَنَّةِ وَغَسْلُ الْوَجْهِ لِلنَّظَرِ إلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلُبْسِ السِّوَارِ فِي الْجَنَّةِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ لِلُبْسِ التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ فِيهَا وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ فِي الْجَنَّةِ انْتَهَى اهـ.
(قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمَاءِ) هَذَا قَدْ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ وَصْفُ النَّجَاسَةِ الْمُخْتَصُّ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَهَا فِيهِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (أَنَّ فَصْلَهُمَا إلَخْ) وَضَابِطُهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِغَرْفَةٍ وَفِيهِ ثَلَاثُ كَيْفِيَّاتٍ الْأُولَى الْأَصَحُّ الْآتِي فِي الْمَتْنِ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مُقَابِلُهُ الْآتِي فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: مِنْ جَمْعِهِمَا) أَيْ الْآتِي (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا) أَيْ الْأَظْهَرِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ الْأَصَحِّ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي ثُمَّ الْأَصَحُّ عَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ (بِغَرْفَةٍ) فِيهِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ، فَإِنْ جُمِعَتْ عَلَى لُغَةِ الْفَتْحِ تَعَيَّنَ فَتْحُ الرَّاءِ، وَإِنْ جُمِعَتْ عَلَى لُغَةِ الضَّمِّ جَازَ سُكُونُ الرَّاءِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا فَتَلَخَّصَ فِي غَرَفَاتٍ أَرْبَعُ لُغَاتٍ إقْنَاعٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى) إلَى قَوْلِهِ فَمَتَى فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ أَوْ مُتَفَرِّقَةً (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُهُ) أَيْ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ مُتَوَالِيَةٌ) أَيْ بِأَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثٍ مُتَوَالِيَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ أَيْ بِأَنْ يَتَمَضْمَضَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى وَكَذَا ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثِ لِكُلٍّ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (قَوْلُهُ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ كَتَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَقَوْلُهُ لَا مُسْتَحَبٌّ أَيْ كَتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْيُسْرَى مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْيَدَيْنِ عُضْوَانِ مُتَّفِقَانِ اسْمًا وَصُورَةً بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ كُرْدِيٌّ عِبَارَةُ شَيْخِنَا وَضَابِطُ الْمُسْتَحَقِّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ شَرْطًا لِحُصُولِ السُّنَّةِ كَمَا فِي تَقْدِيمِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ فَإِنَّهُ إنْ قَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ وَأَخَّرَ الْمُقَدَّمَ فَاتَ مَا أَخَّرَهُ فَلَا ثَوَابَ لَهُ وَلَوْ فَعَلَهُ وَضَابِطُ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ لَا يَكُونَ التَّقْدِيمُ شَرْطًا لِذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، فَإِنْ أَخَّرَ وَقَدَّمَ اُعْتُبِرَ بِمَا فَعَلَهُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اهـ وَقَوْلُهُ فَاتَ مَا أَخَّرَهُ إلَخْ هَذَا عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي وَالزِّيَادِيُّ.
وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالشَّارِحُ فَيَفُوتُ مَا قَدَّمَهُ إلَّا إذَا أَعَادَهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ اقْتَصَرَ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ بَافَضْلٍ فَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مَحَلِّهِ لَغْوٌ فَلَوْ أَتَى بِالِاسْتِنْشَاقِ مَعَ الْمَضْمَضَةِ أَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَمْ يُحْسَبْ وَلَوْ قَدَّمَهُمَا عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ حُسِبَ دُونَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ قَالَ الْكُرْدِيُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مَحَلِّهِ لَغْوٌ هَذَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحِ فِي كُتُبِهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ وَقَالَ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ أَبِي شُجَاعٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ وَأَقَرَّ الْقَلْيُوبِيُّ.
الْإِسْنَوِيَّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُ الصَّوَابِ وَاعْتَمَدَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ وَوَلَدُهُ الْجَمَالُ الرَّمْلِيُّ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ السَّابِقَ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَمَا بَعْدَهُ لَغْوٌ وَقَوْلُهُ لَمْ يُحْسَبْ أَيْ الِاسْتِنْشَاقُ لِإِتْيَانِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى قَدَّمَهُ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَضْمَضَةِ رَأْسًا أَمَّا الْأُولَى فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّارِحِ وَالْجَمَالِ الرَّمْلِيِّ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ فِي شُرُوحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَالتَّنْبِيهِ وَأَبِي شُجَاعٍ بِحُسْبَانِ الْمَضْمَضَةِ تَحْصُلُ دُونَ الِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
الْغَسْلِ وَأَتَوَهَّمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) ، فَإِنْ قِيلَ أَمْرُ اللَّهِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْقُرْآنِ قُلْنَا سِيَاقُ الْحَدِيثِ لِإِحَالَتِهِمْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا الْقُرْآنُ بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. وَلَمْ يُنَبِّهْنَا فَلَوْ أُرِيدَ أَمْرُ اللَّهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ لَكَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَجْهُولٍ وَلَمْ تُفِدْ شَيْئًا فَتَأَمَّلْهُ بِلُطْفٍ تُدْرِكُهُ (قَوْلُهُ: مَعْرِفَةَ أَوْصَافِ الْمَاءِ) هَذَا قَدْ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي الْمَاءِ وَصْفَ النَّجَاسَةِ الْمُخْتَصَّ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَهَا فِيهِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَتْ ثُمَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّمَا أَفَادَتْ أَفْضَلِيَّةَ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ: