للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبَحْثُ وَالتَّجَسُّسُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ، نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَعْصِيَةٍ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ كَإِخْبَارِ ثِقَةٍ جَازَ لَهُ، بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّجَسُّسُ إنْ فَاتَ تَدَارُكُهَا كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ تَوَقَّفَ الْإِنْكَارُ عَلَى الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ لَمْ يَجِبْ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ وَتَغْرِيمِ الْمَالِ قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَلَهُ احْتِمَالٌ بِوُجُوبِهِ إذَا لَمْ يَنْزَجِرْ إلَّا بِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحًا فِيهِ. (تَنْبِيهٌ)

ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِالْقَلْبِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا

ــ

[حاشية الشرواني]

النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ مُغْنِي وَرَوْضٌ مَعَ شَرْحِهِ زَادَ شَرْحُ الرَّوْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبَحْثُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ أَقَضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِهَا لِأَمَارَةٍ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدُمَ عَلَى الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ. وَكَذَا لَوْ عَرَفَ غَيْرَ الْمُحْتَسِبِ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ وَالضَّرْبِ. الثَّانِي مَا قَصَرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ أَنْكَرَهَا خَارِجَ الدَّارِ وَلَمْ يَهْجِمْ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ لَيْسَ ظَاهِرًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْبَاطِنِ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ) أَيْ مِنْ الْآمِرِ وَالنَّاهِي. اهـ. أَسْنَى (قَوْلُهُ: وَاقْتِحَامُ الدُّورِ) أَيْ الدُّخُولُ فِيهَا لِلْبَحْثِ عَمَّا فِيهَا. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِالْمُنْكَرِ بِآثَارٍ وَأَمَارَةٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَفُوتُ تَدَارُكُهُ إلَخْ. اهـ. رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ تَدَارُكُهَا فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَوَقَّفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَالْإِنْكَارُ لِلْمُنْكَرِ يَكُونُ بِالْيَدِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِاللِّسَانِ وَيَرْفُقُ بِمَنْ يَخَافُ شَرَّهُ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي فَإِنْ عَجَزَ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ هَتْكٍ) أَيْ لِعِرْضِهِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ إلَّا بِهِ أَيْ الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ جَازَ. اهـ. نِهَايَةٌ قَالَ الرَّشِيدِيُّ الْمُنَاسِبُ وَجَبَ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ احْتِمَالٌ بِوُجُوبِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الْهَتْكِ وَتَغْرِيمِ الْمَالِ وَلْيُنْظَرْ هَلْ الْمُرَادُ تَغْرِيمُ الرَّافِعِ أَوْ الْمَرْفُوعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّهُ إذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ الْمَالُ عَادَةً سم وَفِيهِ تَأَمُّلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ الْمُرَادَ تَغْرِيمُ الْمَرْفُوعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ وُلَاةِ الْجَوْرِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَضِيَّةُ صَنِيعِ الْمُحَشِّي أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ لِتَغْرِيمِ الْمَرْفُوعِ وَلَوْ عَظُمَ وَهُوَ مُشْكِلٌ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ وَمَفْسَدَةِ أَخْذِ الْمَالِ وَيُقَيِّدُ إطْلَاقَهُمْ. إذْ فِي إطْلَاقِ الْأَخْذِ بِهِ مَا يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ لَا تَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فَاعِلُ ذَلِكَ وَيَبْذُلْ جَهْدَهُ فِي النَّظَرِ إلَى أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ) أَقُولُ الْوَجْهُ الْمُتَعَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ السَّابِقِ فَالْقَلْبُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْمَرْتَبَتَانِ الْأُولَيَانِ اكْتَفَى بِالْقَلْبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي تَعَيُّنَ الْإِنْكَارِ بِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا وَلَوْ حَالَ الْإِنْكَارِ بِغَيْرِهِ

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ مِثْلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبَحْثُ وَالتَّجَسُّسُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَيْسَ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيرُ وَالتَّجَسُّسُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ، بَلْ إنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ جَهْدَهُ، هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَ: أَقَضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِهَا لِإِمَارَةٍ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ: أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا؛ فَيَجُوزَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدُمَ عَلَى الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ، وَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ غَيْرُ الْمُحْتَسِبِ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ، الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا قَصُرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ، فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ أَنْكَرَهَا خَارِجَ الدَّارِ وَلَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ لَيْسَ ظَاهِرًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْبَاطِنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ احْتِمَالٌ بِوُجُوبِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الْهَتْكِ وَتَغْرِيمِ الْمَالِ وَلْيَنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ تَغْرِيمُ الرَّافِعِ أَوْ الْمَرْفُوعِ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّهُ إذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ الْمَالُ عَادَةً. (قَوْلُهُ: تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِالْقَلْبِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ إلَخْ) أَقُولُ: الْوَجْهُ الْمُتَعَيَّنُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ السَّابِقِ فَالْقَلْبُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْمَرْتَبَتَانِ الْأُولَتَانِ اُكْتُفِيَ بِالْقَلْبِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي تَعَيُّنَ الْإِنْكَارِ بِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا وَلَوْ حَالَ الْإِنْكَارِ بِغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ؛ فَإِنَّهُ بِهَذَا يَزُولُ إشْكَالُ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَلَيْسَ دَافِعًا لِإِشْكَالِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْقَلْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>