وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ، لَكِنَّ الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ الْحِنْثُ، وَخَرَجَ بِلَا نِيَّةٍ لَهُ مَا لَوْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنَّمَا اُتُّبِعَ هُنَا الْعُرْفُ وَفِي الْبَيْتِ اللُّغَةُ كَمَا مَرَّ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ أَنَّ اللُّغَةَ مَتَى شَمِلَتْ وَاشْتُهِرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا عُرْفٌ أَشْهَرُ مِنْهَا اُتُّبِعَتْ، وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ اُتُّبِعَ الْعُرْفُ إنْ اُشْتُهِرَ وَاطَّرَدَ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اللُّغَةِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُرْشِدُ لِلْمَقْصُودِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي الطَّلَاقِ.
(وَالْبَيْضُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ (يُحْمَلُ عَلَى مُزَايَلِ بَائِضِهِ فِي الْحَيَاةِ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يُفَارِقُهُ فِيهَا، وَيُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا (كَدَجَاجٍ وَنَعَامٍ وَحَمَامٍ) وَإِوَزٍّ وَبَطٍّ وَعَصَافِيرَ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ؛ لِحِلِّ أَكْلِهِ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُتَصَلِّبٍ خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَظَهَرَ فِيهِ صُورَتُهُ بِخِلَافِ النَّاطِفِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ فَكَانَ مَا فِي كُمِّهِ بَيْضًا فَجُعِلَ فِي نَاطِفٍ وَهُوَ حَلَاوَةٌ تُعْقَدُ بِبَيَاضِهِ وَأَكَلَهُ بَرَّ.
وَلَوْ قَالَ: لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الْبَيْضَ لَمْ يَبَرَّ بِجَعْلِهِ فِي نَاطِفٍ (لَا) بَيْضِ (سَمَكٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَايِلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا وَأُخِذَ مِنْهُ الْحِنْثُ بِهِ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ مُنْفَرِدًا كَالرُّءُوسِ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ وَهُوَ الْبَطَارِخُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَجَدُّدَ اسْمٍ آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ لَا أَثَرَ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْفَاكِهَةِ. فَالْوَجْهُ رَدُّهُ بِمَنْعِ تَسْمِيتَةِ بَيْضًا عُرْفًا وَلَوْ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ مُنْفَرِدًا. (وَجَرَادٍ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَيُعْمَلُ بِهِ (تَنْبِيهٌ)
ظَاهِرُ إفْتَاءِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ السَّمَكَ يَدْخُلُ فِيهِ الدَّنِيلَسُ السَّابِقُ فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ هُنَا عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا عُرْفًا، وَفِيهِ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ بِأَنَّ نَحْوَ الدَّنِيلَسِ لَا يُسَمَّى سَمَكًا أَصْلًا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يُسَمَّاهُ لُغَةً قُلْنَا هَذَا إنْ فُرِضَ تَسْلِيمُهُ لَمْ يَشْتَهِرْ وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْعُرْفُ وَاطَّرَدَ بِخِلَافِهِ، فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا.
(وَاللَّحْمُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ (عَلَى) مُذَكًّى، (نَعَمْ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ
(وَخَيْلٍ
ــ
[حاشية الشرواني]
كَلَامِهِ عَدَمُ حِنْثِهِ بِأَكْلِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، لَكِنَّ أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ الْحِنْثُ وَقَالَا: إنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. وَفِي الْمُغْنِي مَا يُوَافِقُهُمَا بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ الْحِنْثُ) وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةٍ لَهُ) أَيْ: بِقَوْلِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ اهـ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مَا لَوْ نَوَى إلَخْ) وَلَوْ نَوَى مُسَمًّى الرَّأْسِ حَنِثَ بِكُلِّ رَأْسٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ وَحْدَهُ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَّ إلَخْ) فِيهِ إنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهَا عُرْفٌ فَتَأَمَّلْهُ اهـ سم. (قَوْلُهُ: أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ: شُمُولِ اللُّغَةِ أَوْ اشْتِهَارِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ) أَيْ: الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ
(قَوْلُ الْمَتْنِ وَالْبَيْضُ) جَمْعُ بَيْضَةٍ اهـ. مُغْنِي وَفِي الْأُوقْيَانُوسِ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لِبَيْضَةٍ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: إذَا حَلَفَ) إلَى التَّنْبِيهِ فِي الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَلَوْ قَالَ: إلَى الْمَتْنِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَى وَلَوْ فِي بَلَدٍ. (قَوْلُ الْمَتْنِ مُزَايِلِ) أَيْ: مُفَارِقِ اهـ مُغْنِي. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الضَّمِيرِ (قَوْلُ الْمَتْنِ كَدَجَاجٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِبَائِضِهِ أَوْ لِمُزَايِلٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: كَبَيْضِ دَجَاجٍ اهـ سم. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) كَبَيْضِ الْحَدَأَةِ وَنَحْوِهَا، وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ: مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ اهـ ع ش
(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ إلَخْ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يُنَجَّسُ بِهِ الْبَيْضُ الْمُتَصَلِّبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ فِي شَيْءٍ لَا تَظْهَرُ صُورَتُهُ فِيهِ كَالنَّاطِفِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَاضِ الْبَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ حَلَاوَةٌ إلَخْ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْمَنْفُوشِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: بَرَّ) أَيْ: وَلَمْ يَحْنَثْ اهـ سم. (قَوْلُهُ: هَذَا الْبَيْضَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ قَالَ: لَيَأْكُلَنَّ بَيْضًا لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْمِ كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ قَالَ: آكُلُ حِنْطَةً حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِدَقِيقِهَا وَنَحْوِهِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: لَا بَيْضِ سَمَكٍ) ، وَإِنْ بِيعَ بِبَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ مُنْفَرِدًا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَيَعْمَلُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا اهـ. ع ش عِبَارَةُ الْمُغْنِي هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ إلَخْ) خَبَرٌ ظَاهِرٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: يُحْمَلُ أَيْ: لَفْظُ السَّمَكِ. (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ آنِفًا) أَيْ: فِي شَرْحِ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً
(قَوْلُهُ: إذَا حَلَفَ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَحْمِ بَقَرٍ فِي النِّهَايَةِ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: أَيْ فِي اعْتِقَادِ الْحَالِفِ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
نَعَمْ، وَالْمُرَجَّحُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي، قَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُرْفَ إذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ عَمَّ كَخُبْزِ الْأُرْزِ اهـ. ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالثَّانِي وَقَصَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى الْبَلَدِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ الْبَلَدُ نَفْسُهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِهَا وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ هَذَا مَا فَهِمْته فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ صَنِيعَ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاجِبُ الْإِصْلَاحِ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ثُمَّ رَأَيْت الْجَوْجَرِيَّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ صَرَّحَ بِعَيْنِ مَا قُلْته وَقَوْلِي ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالثَّانِي إلَخْ كَذَلِكَ يَأْتِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَطْعِ وَالْخِلَافِ اهـ. مَا كَتَبَهُ شَيْخُنَا بِحُرُوفِهِ، وَحَاصِلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُوَ الْحِنْثُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَا حَلَفَ فِيهِ أَوْ خَارِجَهُ أَكَلَ فِيهِ أَوْ خَارِجَهُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ أَوْ بَلَدٍ، وَإِنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْبَلَدُ أَوْ كَوْنُ الْحَالِفِ مِنْ أَهْلِهَا مُفَرَّعَانِ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُقَابِلِ لِلْأَقْوَى الْمَذْكُورِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: وَالْأَوَّلُ يَعْنِي الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَبَّرَ بِإِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ رَجَّحَهُ فِي تَصْحِيحِهِ وَقُيِّدَ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ اُتُّبِعَ الْعُرْفُ) فِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُمَا عُرْفٌ فَتَأَمَّلْهُ
(قَوْلُهُ كَدَجَاجٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ